
في محاولة لإحكام قبضته على التعليم الجامعي، عين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع هذا العام مليح بولو المحسوب على حزب العدالة والتنمية عميداً جديداً لجامعة البوسفور في إسطنبول. بولو الذي جاءت تسميته من خارج الجامعة يواجه رفضاً قاطعاً من قبل الأكاديميين كما الطلاب. فالوعود التي قطعها بمضاعفة ميزانية الجامعة ورفع الرواتب لم تشفع له. منذ تسلمه لمنصبه تعيش الجامعة على وقع المظاهرات والوقفات الاحتجاجية وقد طوقت القوى الأمنية الجامعة وتم توقيف مئة وتسعة وخمسين طالباً على ذمة التحقيق. ويؤكد الأساتذة بأن حراكهم سيستمر الى حين الإفراج عن جميع الموقوفين ورفع الطوق الأمني واستقالة العميد الجديد. وما يبرر هذا التحرك هو خوف الأكاديميين على مستقبل الجامعة والطلاب. فجامعة البوسفور العريقة التي تتربع على تلة مطلة على المضيق الذي حملت اسمه، هي بمثابة واحة وسط الصحراء. تأسست في عام 1863 على يد مبشر أمريكي احتفظت بلغته الإنجليزية، كلغة للتدريس. وصمدت دائمًا في وجه مساعي السلطة السياسية لإحكام قبضتها على التعليم العالي. بعد انقلاب عام 1980، حاولت الطغمة العسكرية في ذلك الوقت فرض أيدولوجياتها عبر وضع مناهج جديدة، وطرد المدرسين الخارجين عن السرب، لكن في عام 1992، تمكنت جامعة البوسفور من تحدي الإجراءات الإدارية واستعادة حريتها. ونجحت في السنوات الأربعة الماضية في تجنب ما تعيشه الجامعات الأخرى من فرض عمداء من خارج الجمعة. منذ ذلك الحين، لم تتوقف عن تشجيع الفكر التعددي، حيث النقاش مفتوح حول جرائم الشرف، ومصير الأقلية الكردية، والمسألة الأرمنية أو الشذوذ الجنسي. حتى أنها كانت أول من دافع عن حق المرأة في ارتداء الحجاب حين كان مؤيدو أردوغان من بين المظلومين. فلطالما عرفت بتميزها وانفتاحها واستقلاليتها. وهذا ما يزعج الرئيس أردوغان الذي لم يخفِ مخططه لبناء "جيل جديد من المتدينين". وما يخشاه الأكاديميون ابعد من الإيديولوجيا والتدين، هو بناء ثقافة معينة من الاستسلام والامتثال التي تُفرض على الأجيال الشابة لتطويعها.