نجحت القيادة السياسية فى تحقيق طفرة كبيرة فى قطاع مرافق مياه الشرب والصرف الصحى، خلال التسع سنوات الماضية، وهو نجاح يستحق الرصد والتحليل، لذا التقت «الدستور» الدكتور سيد إسماعيل، نائب وزير الإسكان لشئون المرافق والبنية الأساسية.
ولخص «إسماعيل» التجربة المصرية قائلًا: «نرى أنه لا بد من أن نواجه التحديات دائمًا ولا نطمئن غير ونحن نعمل، ولا بد من أن نستمر فى العمل، حتى نحافظ على المكتسبات ونواجه معها التحديات المقبلة، للجاهزية، والطريق الوحيد هو العمل ثم العمل ثم العمل، وعلى سبيل المثال لا نقول إن عدد محطات مياه الشرب والصرف الصحى التى تم تنفيذها يكفينا ويفيض، لكن نعمل على ملف الترشيد وهو ملف مهم جدًا»
بداية.. ما آخر تطورات مشروعات مياه الشرب والصرف فى مصر؟
- فى قطاع الصرف الصحى، كانت لدينا ٣٠٠ محطة، وهذا إجمالى ما تم تنفيذه فى الخمسين سنة التى سبقت عام ٢٠١٤، بطاقة استيعابية ٨ ملايين متر مكعب يوميًا، أما اليوم فلدينا ٥٦٠ محطة صرف صحى، بخلاف ٣٠٥ محطات جار تنفيذها، ما يعنى أننا سنملك قريبًا حوالى ٨٦٥ محطة. الطاقة الاستيعابية للمحطات التى تعمل حاليًا ١٨ مليون متر مكعب يوميًا، وبانتهاء الـ٣٠٥ محطات الجارى تنفيذها سنضيف ٤.٥ مليون متر مكعب يوميًا، ليصبح الإجمالى ٢٢.٥ مليون متر مكعب يوميًا. هذا بخلاف محطات كانت مصر فيها سباقة على مستوى العالم، وهنا لا أبالغ، فهذا الكلام سيقرأه زملائى من الخبراء فى هذا الملف وشركاء التنمية والاستشاريين وحكماء الحكومات.. لا نقول إلا أرقامًا على أرض الواقع.
■ ماذا تقصد بأن هناك محطات كانت مصر فيها سباقة عالميًا؟
- أقصد محطات معالجة مياه الصرف الزراعى المختلط، فلا توجد دولة فى العالم كانت تأخذ مصرفًا مثل بحر البقر لتعالجه، لكن أجبرتنا ظروفنا على أن نعمل بطريقة مختلفة، فنفذنا مشروعات ضخمة بتكاتف جميع جهات الدولة، ودائما أقول إن ملف المياه ليس ملف وزارة أو قطاع، بل ملف دولة، وهنا أُضيفت إلى الـ١٨ مليون متر مكعب يوميًا، محطتا المحسمة وبحر البقر، بطاقة استيعابية ٦.٦ مليون متر مكعب يوميًا وحدهما.
هذه المياه كانت غير مستغلة، وكانت عادة تصرف فى بحيرة التمساح أو بحيرة بحر البقر، أما الآن فهذه المياه صالحة لزراعة ورى ٥٠٠ ألف فدان بشكل يومى، وبهذا نتحدث عن حوالى ٢٩ مليون متر مكعب طاقة استيعابية يوميًا.
■ هل هناك محطات أخرى مثل المحسمة وبحر البقر سيجرى إنشاؤها؟
- هناك أكبر محطة من نوعها فى العالم بطاقة استيعابية ٧.٥ مليون متر مكعب يوميًا، هى محطة الحمام، جنوب مدينة العلمين.
كنت مع زملائى فى الهيئة الهندسية مؤخرًا، وأبلغونى بأنهم يجرون بعض الوصلات النهائية حاليًا، أى أن المشروع أوشك على الاكتمال، وسيدخل الخدمة قريبًا جدًا، وهذا المشروع لا بد من أن يكون له افتتاح يليق به، لأننا نفتتح مشروعًا هو الأكبر من نوعه فى العالم.. مصر كبيرة فى كل شىء، وبافتتاح المحطة سنضيف ٧.٥ مليون متر مكعب يوميًا لـ٢٩ مليون متر، كما شرحنا، وبهذا نصل لأكثر من ٣٦ مليون متر مكعب يوميًا طاقة استيعابية لمحطاتنا.. نتحدث عن أرقام مهولة جدًا.
■ ما مستجدات ملف مياه الشرب؟
- فيما يخص مياه الشرب، فالطاقة التصميمية لمحطاتنا الحالية تصل لحوالى ٤٢ مليون متر مكعب يوميًا، والطاقة الفعلية اليوم حوالى ٣٠ مليونًا، والفرق يعنى أنك تعمل للمستقبل ولا نعمل للوقت الحالى.
عدد سكان مصر يزيد سنويًا ما بين مليونين و٢.٢ مليون نسمة، ونحن نؤمن احتياجاتنا من المياه للفترة ما بين ٢٠٤٠ لـ٢٠٥٠، يعنى أننا نعمل لأكثر من ٢٥ سنة مقبلة، وهذا لم يكن يحدث فى مصر قبل ٢٠١٤.
التحلية فى مصر مجال مهم جدًا، وعندما بدأنا العمل كان لدينا أكثر من خطة؛ الأولى كانت مهمة جدًا وسريعة جدًا، بعدما رأينا مواطنين يقفون على الطرق العامة بالجراكن فارغة.
بدأنا بتدخل سريع لحل مشاكل مزمنة ومتراكمة فترات طويلة بأقصى سرعة، وبالإمكانيات المتاحة، وكان إجمالى طاقة التحلية فى ٢٠١٤ حوالى ٨٠ ألف متر مكعب يوميًا، ونحن نتحدث حاليًا عن ١.٢ مليون متر مكعب يوميًا مياه تحلية، وجارٍ تنفيذ عدد من المحطات بطاقة ٢٠٠ ألف متر مكعب يوميًا.
■ كيف تغير المشهد منذ «أزمة الجراكن» فى ٢٠١٤؟
- بدأنا العمل بقوة داخل هذا القطاع سنة ٢٠١٤/ ٢٠١٥، لو كنا انتظرنا حتى الآن ما استطعنا تحقيق ٢٠٪ مما تم تنفيذه، أى أننا بدأنا فى التوقيت المناسب. أريد أن أوضح أن محطة تحلية مياه البحر فى العلمين الجديدة يجرى التسويق لها حاليًا كمشروع فى إحدى المدن العالمية على ساحل البحر المتوسط، وانتهت فى ٢٠١٨.. لو كنا انتظرنا حتى الآن هل كنا سنستطيع تنفيذها؟ بكم وكيف؟ هذا دليل على الرؤية الثاقبة للقيادة السياسية، التى وافقت ودعمت وتابعت.
بدلًا من أن يذهب المواطن ويبنى بشكل عشوائى، وتضطر الدولة للبحث عن طرق توصيل المرافق له- أصبحت الدولة تفكر وتخطط للمستقبل، واليوم من سيذهب للعلمين الجديدة ليعيش فيها سيجد المرافق والخدمات جاهزة.
■ متى تنتهى مشروعات الصرف الصحى بالقرى؟
- بدأنا فى ٢٠١٤ المشروع القومى للصرف الصحى فى القرى المصرية، وكنا نعمل بمجهودات متواضعة، وفقًا للإمكانات المتاحة وقتها، وعندما جاء المشروع القومى مبادرة «حياة كريمة»، اختصر ما كنا سننفذه فى ٣٠ أو ٤٠ سنة، لثلاث مراحل لن تستغرق أكثر من ٥ سنوات، وذلك استجابة لطلبات المواطن المصرى فى توفير أساسيات الحياة «الصرف الصحى ومياه الشرب»، وهذا المواطن يطلب هذه الخدمة من ٢٠ و٣٠ سنة ولم يحصل عليها. لو كنا عملنا بالشكل المعتاد، كنا سنغطى متوسط ٨٠ قرية سنويًا، أما فى المرحلة الأولى من «حياة كريمة» فنتحدث عما يقرب من ١٥٠٠ قرية، أى وفرنا ١٦ لـ١٨ سنة.
■ كيف حققنا هذه النقلة النوعية والكمية؟
- عملنا بطريقة مختلفة، لأنه لو كنا عملنا بنفس الطريقة السابقة ما كنا لنصل للنتيجة المطلوبة، سألنا أنفسنا: ماذا نريد والى أين نريد الوصول؟ وفى ظل الحوكمة وتغيير الفكر الحكومى، وأصبحت لدينا وزارات وجهات وقطاعات قوية مثل قطاع المرافق.
أسسنا وحدة لإدارة المشروعات داخل القطاع بالوزارة تسمى PMU، تضم من يفكرون بنفس طريقة القطاع الخاص، يفهمون لغته جيدًا، ويتابعون أشغالهم بشكل دقيق، ويستطيعون دومًا تحديد نقاط التدخل والفجوات التى نحتاج ملئها، والآلية المطلوبة لذلك.
■ ما الذى دعاكم للتفكير بهذا الشكل؟
- أولًا دعم الدولة، والرؤية السياسية القوية جدًا، لولاهما ما كنا نستطيع العمل بهذا الشكل، وعلينا أن نتذكر جيدًا أن كل ما كان يحصل عليه هذا القطاع قبل ٢٠١٤ كان ما بين ٥ و٨ مليارات جنيه، واليوم والآن يتم ضخ ما يقرب من ١٠٠ مليار جنيه سنويًا، يعنى أنك ضاعفت إمكانات قطاع المرافق لـ٢٠ ضعفًا خلال التسع سنوات الماضية، ولولا قناعة القيادة السياسية وقناعة الحكومة، ولولا أننا واجهنا التحديات وصعدناها، ما كنا لنحصل على هذا الدعم. نقطة الانطلاق دائمًا هى المصداقية فى تقييمك للوضع الراهن، ولا بد أن تضع يدك على الواقع بالضبط، ثم تأتى بأهل الخبرة الذين عملوا فى هذا المجال، والكل يتعاون لهدف واحد دون تشتيت، حصرنا موقفنا: أين نحن؟ وماذا نحتاج؟ وكنا سابقًا نحصل على أرقام مختلفة لنفس الموضوع.. من كل جهة رقم مخالف للأخرى، الآن أصبحت لدينا قاعدة بيانات نحدثها كل ثلاثة أشهر، ونتحدث حاليًا عن أرقام ثابتة للميزانيات.
الأمر الثانى، بدأنا ننفذ خططًا للمشروعات بطريقة مختلفة، على سبيل المثال فى «حياة كريمة»، فكرنا فى تنميط طاقات المحطات، بمعنى أنه بدلًا من أن ننفذ محطات ٥ آلاف هنا و٧ آلاف هناك وغيرها ١٢ ألفًا.. نخطط المحطات ٥ آلاف وعشرة آلاف و١٥ ألف متر مكعب يوميًا، وبهذا نضاعف الرقم ٥، وبهذا الشكل لا نأخذ وقتًا طويلًا فى الدراسات.. وأصبحت معدلات الإنجاز والتنفيذ عالية جدًا. وفيما يخص قطع الغيار، كانت كل محطة لها طاقة مختلفة، وبالتالى قطع الغيار لكل منها مختلفة، بينما أصبح الوضع حاليًا أن قطع الغيار تصلح لهذه وتلك.
الأمر الثالث، أنك تعمل على المحطات القائمة، وتفكر كيف ترفع كفاءتها، فالهدم ليس كل شىء، وأحيانًا تحتاج فحص الموجود وتبحث كيفية تعظيم الفائدة منه.
بدأنا بالحديث مع مسئولى الشركة القابضة، لسؤالهم عن كيفية رفع الكفاءة الإنتاجية للمحطات، فبدلًا من أنها تستطيع تغطية ٥ قرى يمكن رفع كفاءتها لتغطية ٦ أو٧.