تصور المسيحيين الأرثوذكس للعلاج الروحي دراسة دكتوراة لنيافة الأنبا يوسف حول برامج المشورة وعلاج المشكلات الأسرية
09.12.2020 03:17
Articles مقالات
أقباط متحدون
تصور المسيحيين الأرثوذكس للعلاج الروحي دراسة دكتوراة لنيافة الأنبا يوسف حول برامج المشورة وعلاج المشكلات الأسرية
حجم الخط
أقباط متحدون

بقلم الباحث/ نجاح بولس         

دراسة نوعية لنيافة الأنبا يوسف أسقف إيبارشية جنوب أمريكا للأقباط الأرثوذكس، نال من خلالها درجة الدكتوراة في الفلسفة من كلية الدراسات العليا بجامعة سانت ماريا بولاية تكساس الأمريكية عام 2002 ، وتعد أول دراسة علمية تتناول دور المتغيرات الروحية المتعلقة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مجال المشورة الأسرية بشكل عام، وتستهدف بالأساس رفع وعي المعالجين بأهمية دمج البعد الروحي ضمن البرامج العلاجية، ومحاولة ترسيخ التعاون بين مجال العلاج النفسي والمؤسسات الدينية.

أقرالباحث بوجود قدر من التحيز العاطفي أثناء إعداد الدراسة لكونه يشغل منصب كنسي في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث أشار إلى كونه جزء من البحث ولا يمكن أن يكون بمعزل عن أدواته البحثية، وقد أشار إلى الإستفادة من قناعاته وإنحيازاته الشخصية لفهم المعاني الدينية والشخصية والعاطفية للتجارب الإنسانية للمبحوثين بشكل أفضل طوال عملية المقابلة، وكذلك فأن نتائج البحث قد يصعب تعميمها بمعزل عن التجارب الشخصية للمبحوثين وخبراتهم الروحية لإرتباطها بشريحة دينية معينة.

استخدم الباحث تصميمًا نوعيًا وتحليلًا ظاهريًا لإستكشاف وفهم ووصف التجربة الحية لتصور المسيحيين الأرثوذكس للعلاج المستند على الأبعاد الروحية، حيث تم اختيار المشاركين من بين المسيحيين الأرثوذكس المنتمين للكنائس الأرثوذكسية بالولايات المتحدة الأمريكية والذين تعرضوا لتجربة المشورة الأسرية، من البالغين الذين تتراوح أعمارهم من 18 عام فأكثر، وذلك من خلال مقابلات مطولة ومستفيضة طرح الباحث خلالها الأسئلة على المشاركين وإستمع إلى خبراتهم ورؤيتهم الخاصة لتجربة المشورة الأسرية وإستخدام البعد الروحي في العلاج، وقد تناولت المقابلات العديد من أفراد الأسرة بشكل منفصل: الأباء، والأمهات، والأبناء، والأزواج، والزوجات، لدراسة الظاهرة من منظور فردي وعائلي أيضاً .

إعتمد الباحث على أدوات القياس والتحليل المتعارف عليها منهجياً، وإتبع الخطوات العلمية للبحث العلمي إبتداء من جمع البيانات وجدولتها وتحليلها ودراسة النتائج وتفسيرها، في ضوء أهداف البحث التي تسعى للتعرف على تصورات المبحوثين الخاضعين للبرامج العلاجية عن البعد الروحي كوسيلة للعلاج، ومدى فاعليته وفقاً لإدراكهم للمعنى الروحي المرتبط بالعلاج السلوكي، حيث تم منح المبحوثين الفرصة لوصف تجاربهم المعيشية المرتبطة بحياتهم الروحية في إطار العلاج، ثم فحص ما اختبروه وشعروا به وفعلوه بالاقتران مع تصورهم للعلاج الروحي، بغرض الوصول إلى إكتشاف علاقات جديدة ورؤية معاني جديدة تتعلق بتجاربهم العلاجية، ومحاولة مناقشة تلك المعاني التي توصلوا إليها وتقديم وسيلة لتصحيح المعنى وتوضيحه. 

عرّف جميع المبحوثون الحياة الروحية على أنها علاقة أساسية وضرورية بينهم وبين الله، واتفقوا بالإجماع أن منظورهم الروحي يجب أن يدمج الله في التجربة الحية للبيئات العلاجية المنظمة وغير المنظمة، وقد تضمنت ركائز الحياة الروحية التي إستخدمها المبحوثون: الله، والإيمان، والروح القدس، والدين، حيث ركزت التجارب الحية للباحثين المسيحيين الأرثوذكس بشكل أكثر تحديدًا على الله باعتباره خالق الكون الذي عاشوا وعملوا فيه، كما وُصِف الله بأنه المسؤول عن وجودهم لذلك تمحورت عملية الشفاء حول الله طالبين مساعدته من أجل الرعاية وإتمام الشفاء.

رصدت الدراسة بعض التجارب الحياتية للمشاركين عبروا من خلالها بأهمية عوامل الصحة الروحية، والتي جاءت متقدمة على النماذج الطبية العلاجية كعوامل أساسية مساعدة في التعامل مع قضايا الحياة، حيث شارك المبحوثون تجاربهم مؤكدين أن حالتهم الروحية الصحية كانت محفزاً لهم لمواجهة المشكلات الحياتية الصعبة، وغيرها من المواقف المؤلمة المهددة لإستقرار الأسرة وسلامة الحياة الشخصية للأفراد مثل: قضايا الخيانة الزوجية، حالات الطلاق الوشيكة، ومحاولات الإنتحار، فضلاً عن بعض الأمراض والمشاعر السلبية الأخرى مثل: الغضب، الوحدة، الهجر، الإكتئاب، مشاعر عدم التكيف، الآلم والمعاناة، تلك التي أكد معظم المبحوثون أن تجاوز تلك القضايا والمشاعر كان أكثر يسراً في الأوقات التي كانوا يتمتعون فيها بحالة من النمو الروحي، أو تبني برامج روحية في العلاج من قبل الأطراف المعالجة سواء من داخل المؤسسة الكنسية أو المستشارين القائمين على برامج العلاج الطبي.

من خلال تحليل إفادات المبحوثين حول جلسات العلاج بمعرفة المستشارين المتخصصين إشارت نتائج الدراسة إلى إنخفاض نسبة المستشارين الذين يتبنون البعد الروحي في العلاج ، وقد أفاد بعض المبحوثين أن إستخدام المستشارون المعالجون للبرامج الروحية في إحيان قليلة كأن تأثيره أكثر إيجابية من إستخدام البرامج الطبية فقط، وقد تم تفسير تلك النتائج في ضوء قدرة المعالجون على إستكشاف الخلفية الدينية والروحية للخاضعين للعلاج، وإستخدام البرامج الروحية التي تتناسب مع إنتمائاتهم المذهبية لتكون أكثر فاعلية وتأثيراً.

أفادت النتائج بوجود تأثير ملحوظ لعوامل التقارب الثقافي بين المستشار المعالج ومتلقي العلاج، حيث تبين أن الحالات التي تم علاجها بمعرفة مستشارين لهم نفس الخصائص الثقافية والدينية لمتلقي العلاج، كانت نتائج البرامج العلاجية أفضل وأكثر تأثيراً، كما أشارت النتائج لوجود دور لمتغير النوع أيضاً، حيث جاءت نتائج الجلسات العلاجية أفضل كلما كان جنس المستشار المعالج من نفس جنس متلقي العلاج، وكذلك أشارت نتائج الدراسة إلى أهمية عامل الحيادية وخصوصاً في الحالات المتعلقة بالمشكلات الأسرية.

أكد جميع المبحوثون المشاركين بشكل عام أن هناك حاجة شخصية أكثر في مجال الإرشاد لمراعاة تصور المسيحيين الأرثوذكس للحياة الروحية الدينية، كما أدركوا أن هناك حاجة شخصية أيضًا لفحص معتقداتهم وممارساتهم الشخصية المتعلقة بتقديم البعد الروحي في العلاج، حيث أشارت النتائج إعتقاد جميع مفردات العينة المشاركون أن فهم منظورهم الروحي الأرثوذكسي سيساعد في نتائج إرشادية أكثر فعالية، وسيكون مفيدًا طوال عملية العلاج بأكملها من خلال إدراك تأثيرها في شفاء الروح وتوفير جو من السلام النفسي، وهذا ما حدث بالفعل حسب ما توصلت إليه نتائج الدراسة بعد فحص الحالات التي تلقت نوع من العلاج يمزج بين البعد الروحي المرتبط بالكنيسة الأرثوذكسية في البرامج العلاجية، بمعرفة بعض المستشارين من ذوي الخلفية الأرثوذكسية.

وقد كان للخبرات الروحية خارج الإرشاد النفسي المنظم دور في عملية العلاج حيث أشارت إلى التجارب الروحية المرتبطة بالكنيسة الأرثوذكسية لدي جميع المبحوثين، وكان من أبرز اشكالها العبادة أو الصلاة سواء الجماعية أو الفردية، والتي ينظر لها كتمرينات روحية مستقلة عن جلسات العلاج لها دور فعال في تعزيز السلام الداخلي والرفاهية النفسية، كما جاءت الترانيم والألحان الكنسية كأحد أهم الأشكال الروحية التي تدعم النمو الروحي وتعزز الصفاء النفسي والمصالحة مع النفس والغير.

كما كشفت النتائج عن إعتقاد المبحوثين في سر الإعتراف كبديل موازي للعلاج النفسي وقد يفوقه تأثيراً، حيث يعد من وجهة نظرهم الوقت المخصص لمواجهة مشاكلهم ومناقشتها والبحث عن حلول ورمي الخطايا التي تؤرقهم وقد تكون من أسباب توترهم النفسي، ولذلك فالسر الذي يحمل دلالات روحية أكبر وأعمق من العلاج النفسي، يعتبر من أبرز عوامل الشفاء لما يحمله من قناعات بغفران الخطايا والسلام الداخلي لدى المؤمنين بقدسية السر.

كما ساهمت الإفخارستيا في رفع مستوى الحالة الروحية لغالبية المبحوثين، حيث يعتبر سر الإفخارستيا مركز الحياة داخل الكنيسة وسر الشركة مع الله حسب إيمانها، وقد رأى المبحوثون أن الإفخارستيا هي أكثر الأسرار تأثيراً على التعافيً من خلال تعزيز السلام وإحلال السعادة لجميع المشاركين فيها، وإمدادهم بالشعور بالقوة لمواجهة مشاكل الحياة والتغلب على المشاعر السلبية، ومن جهة أخرى كشفت النتائج عن أهمية الكنيسة كمؤسسة ينظر لها المبحوثون على أنها مكان يمكنهم من ممارسة الحياة السمائية على الأرض ومن أكثر عوامل النمو الروحي لهم، فضلاً عن الزمالة الروحية مع جماعة المؤمنين بنفس المعتقد وذات الممارسات، حيث أفاد المبحوثون بأهمية الزمالة الروحية في دعم الحياة الروحية والمساعدة في الشفاء.

تم تحديد الكاهن باعتباره الشخص الأكثر فائدة في دعم الحالة الروحية خارج الإطار المنظم للعلاج، وينظر له من قبل أغلب المبحوثين المشاركين بإعتباره معالجًا جيدًا يتفوق على المعالج النفسي، حيث يساهم فهم الكاهن للثقافة والخلفية الدينية للمبحوثين من متلقي العلاج في القيام بأدوار علاجية أحياناً، لكونه شخص يمكنهم أن يشاركوه مخاوفهم ويمكن أن يريحهم، ويقدم لهم المشورة الحكيمة وفقًا لمعتقداتهم الروحية، وقد أفاد المشاركون أن مشورة الكاهن تعتبر عملية سهلة التطبيق في الحياة اليومية، وبالتالي فهو يمثل أداة هامة بالنسبة لهم في مسيرة العلاج على المدى الطويل أكثر من أي أطراف علاجية أخرى. 

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.