لماذا ضاعف "داعش" هجماته ضدّ المسيحيّين في مصر؟
09.03.2017 03:14
تقاريركم الصحفيه Your Reports
لماذا ضاعف
حجم الخط

فى فبراير الماضي، فرّ مئات المسيحيّين من مدينة العريش في محافظة شمال سيناء المصريّة إلى محافظة الإسماعيلية حوالي 110 كم شرق القاهرة-، بعدما ركّز تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" وفرعه في مصر "ولاية سيناء" عمليّاته نحوهم، الأمر الذي أثار تساؤلات حول تغيّر استراتيجيّة التنظيم المتطرّف في سيناء، التي أربكت السلطات المصريّة ووضعتها بخانة الاتّهامات بالتقصير في حماية الأقباط.

 

وخلال الفترة من 30 كانون الثاني/يناير و23 شباط/فبراير، قتلَ مسلحون، 7 مسيحيّين في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء حوالي 300 كم من شرق القاهرة-، 5 منهم رمياً بالرصاص، وقطع رأس رجل وأحرق آخر. وأعلن تنظيم الدولة الإسلاميّة، الذي يشنّ هجمات هناك، مسؤوليّته عن قتل السبعة. وأثناء ذلك يوم 19 فبراير/شباط، نشر التنظيم تسجيلاً مصوّراً عن هجوم وقع على كنيسة البطرسيّة بالقاهرة في كانون الأوّل/ديسمبر، دعا فيه إلى استهداف المسيحيّين في مصر.

 

وقالت مصادر أمنية في مديريّة أمن في شمال سيناء، شريطة عدم كشف هويّاتها، لـ"المونيتور": إنّ مدينة العريش، وخصوصاً المنطقة الحضريّة المكتظّة بالسكّان المدنيّين، تمثّل "أكبر نقطة ضعف" لأجهزة الأمن حيث يتنكر المسلحون بين السكان وينفذون عمليات قتل للأقباط داخل منازلهم، ويهربون قبل وصول الأمن، لذلك لجأ التنظيم إلى شنّ عمليّاته فيها.

 

ووفقاً للتقديرات الرسميّة لغرفة عمليات مجلس الوزراء المصري، غادرت 144 أسرة مسيحيّة مدينة العريش بسيناء منذ مقتل آخر قبطيّ الجمعة في 24 شباط/فبراير، واستنفرت الحكومة بإيواء الأسر النازحة في سبع محافظات، وشنّت قوّات الأمن والجيش عمليّات عسكريّة لملاحقة المسلّحين.

 

وأشار أحد المصادر وهو ضابط بقطاع الأمن الوطني بشمال سيناء، إلى أنّ التنظيم يغيّر تكتيكاته بين حين وآخر ويشن الهجمات تارة نحو قوات الأمن والجيش وتارة نحو المدنيين مثلما حدث مع المواطنين الأقباط-، في الوقت الذي يعاني الأمن من "قصور في جمع المعلومات الاستخباراتيّة" حول نشاط التنظيم، وإحجام قطاع كبير من أهالي سيناء عن التّعاون المطلوب مع قوّات الشرطة وجهاز الأمن الوطنيّ تحديداً، خشية انتقام التنظيم.

 

وفي 18 يناير /كانون الثاني الماضي، نشر التنظيم فيديو تحت عنوان "حز الرقاب"، والذي يظهر قتل التنظيم 15 شخصاً من سيناء، بعد اعترافهم بالتّعاون مع الأمن والجيش.

 

وأشار الباحث في الأقليّات والحريّات الدينيّة بالمفوضيّة المصريّة للحقوق والحريّات مينا ثابت - منظّمة مجتمع مدنيّ - إلى أنّ مغادرة مئات الأشخاص من وجه "داعش" توضح أنّ التنظيم يظهر قدراً أكبر من القوّة، ويتّجه لإبراز معالم مرحلة جديدة بدأت مع نهاية السنة الماضية بهجوم "البطرسيّة" ونشره فيديو تهديد الأقباط، وقال في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور": "نحن نحتاج إلى التعامل معه في منتهى الجديّة وإجراء مقاربة أمنيّة شاملة، فالمشهد مؤشّر على عدم جدوى الاستراتيجيّة المتّبعة لمكافحة الإرهاب منذ عام 20111، لقد ثبت أنّها غير مجدية، ولم تحقّق النتائج التي كنّا نأملها، وبالتّالي فهي تحتاج إلى المراجعة والتعديل".

 

واعتبر الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، 28 فبراير/ شباط الماضي، أنّ استهداف المواطنين في العريش هو "مخطّط جبان من أهل الشرّ لزعزعة الثقة في الدولة والنيل من الوحدة الوطنيّة وبثّ الفتنة".

 

وقال مينا ثابت، الذي ساهم في استقبال الكثير من الأسر التي لجأت إلى الإسماعيليّة بإيوائهم في شقق سكنية وتقديم الطعام لهم ضمن عمله في المفوضية المصرية: "إنّ الإرهابيّين يريدون أن يبعثوا رسالة ألاّ أحد آمناً".

 

من جهته، لفت الصحافيّ والناشط السيناويّ مصطفى سنجر في حديث عبر الهاتف مع "المونيتور" إلى أنّ التنظيم يستخدم كلّ الأوراق لإزعاج النظام المصريّ، ويستخدمها في أوقات مختلفة، بما يخدم مصالحه، مشيراً إلى أنّ استهداف الأقباط يمثّل ورقة ضغط مؤثّرة على النظام ذات أبعاد دوليّة وطائفيّة. "هو يقول أن التنظيم المتطرف يحاول الوقيعة وبث الانشقاق بين المسلمين والمسيحيين في مصر، من خلال الاعتداء على الأقباط وإظهار أن الدولة تعجز عن حمايتهم أمام الدول الأوروبية".

 

وقال: "إنّ التنظيم منذ ظهوره في بداية عام 2013 لم يستهدف الأقباط، لكن لوحظ أخيراً مع نهاية العام الماضي وبداية العام الحاليّ استهدافه للأقباط تحديداً في مدينة العريش". مؤكّدًا أنّ التنظيم ينشط في 3 مدن بسيناء هي "الشيخ زويد ورفح والعريش".

 

وعن انتشار الأمن والجيش هناك، قال مصطفى سنجر: إنّ "الجيش يبسط سيطرته بصورة أكثر قوّة في مدينتي رفح والشيخ زويد، ولديه كمائن قويّة هناك، فلا توجد فيهما كثافة سكانيّة، لكنّ العريش تتولّى الشرطة تأمينها، وفيها ظهير زراعيّ وصحراويّ غير محكم الرقابة مع وجود كثافة سكانيّة، وبالتالي يملك التنظيم أوراقاً سهلة فيها لمواجهة القوّات".

 

وأكّدت المصادر الأمنيّة المصريّة، أنّ وزارة الداخليّة، بالتّعاون مع جهازي المخابرات العامّة والمخابرات الحربيّة، تعكف الآن على وضع خطط جديدة لانتشار قوّات الشرطة، خصوصاً في المنطقة الحضريّة بالعريش.

 

وأشار القياديّ السابق بالجماعة الإسلاميّة في مصر الدكتور ناجح إبراهيم إلى أنّ التنظيم غيّر استراتيجيّته من مهاجمة الأهداف "الصلبة" من كمائن ومبانٍ إلى شنّ عمليّاته بطريقة "الرخوة"، وهو ما يدلّ على ملامح ضعف في نشاطه، مقارنة بما كان عليه قبل 3 سنوات.

 

وقال إبراهيم في اتصال هاتفي مع "المونيتور": إنّ المسلّحين كانوا يهاجمون الجيش والبنى التحتيّة المؤثّرة بسيناء منذ ظهورهم في عام 2013، وينفّذون عمليّات كبرى ويدخلون في مواجهات مباشرة مع قوّات الجيش والأمن، ويوقعون بأعداد كبيرة قتلى من جانب الجيش، ولكن بداية عام 2016، انتقلوا إلى مرحلة أخرى، وهي زرع العبوات الناسفة في طريق الأمن والجيش والقنص، وتلك العمليّات تعبّر عن مرحلة "الأهداف الصلبة".

 

إبراهيم أضاف: "مع نهاية عام 2016 وبداية عام 2017، وجد التنظيم أنّ نظريّة الأهداف الصلبة لن تجدي، وانتقل إلى عمليّات "الرخوة"، وهي شنّ عمليّات مسلّحة سهلة ومؤلمة للنظام المصريّ في ذلك الوقت، وهو ما حدث في عمليّات استهداف أقباط العريش".

 

ولفت إلى أنّ الجيش يحاصر التنظيم في مثلّث ضيّق من 3 مدن "الشيخ زويد ورفح والعريش"، وضيّق الخناق عليه بعد أن كان نشطاً في كلّ المناطق بسيناء، ممّا دعا المسلّحين يلجئون إلى عمليّات "الرخوة" التي أربكت حسابات النظام المصريّ.

 

وفي بداية شباط/فبراير الماضي، استقبلت مصر مسؤولين بحركة "حماس" الفلسطينيّة لمناقشة سبل ضبط الحدود مع القطاع والقضاء على المتشدّدين الموالين لتنظيم الدولة الإسلاميّة في منطقة شبه جزيرة سيناء الاستراتيجيّة.

 

ورأى ناجح إبراهيم أنّ هزيمة التنظيم لم تحن بعد، وما يصعب من هزيمة التنظيم في الوقت الحالي هو أنّ تلك التنظيمات لا تستسلم بسهولة ومساحة شبه جزيرة سيناء واسعة وهي غير مطوّقة أمنياً بشكل كامل، رغم ملامح ضعفه ومحاصرته، في الوقت الذي يتمسّك النظام المصريّ باستراتيجيّة نمطيّة وتقليديّة بحاجة إلى تغيير وهو ما أكّده أيضاً سنجر.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.