بحثًا عن النجمة الثالثة وتحقيق إنجاز تاريخى، يدخل الأرجنتين وفرنسا نهائى كأس العالم، الذى يجمعهما فى الخامسة مساء غد، على ملعب «لوسيل» فى العاصمة القطرية الدوحة.
مشوار طويل مر به المنتخبان الأكثر تنظيمًا فى المونديال حتى الوصول إلى محطة التتويج والبحث عن الذهب، فالأرجنتين أقصى كرواتيا فى الدور نصف النهائى بثلاثية نظيفة، بينما عبر فرنسا حاجز المغرب المنيع بهدفين دون رد.
كيف يلعب المنتخبان هذه القمة المرتقبة، وما حظوظ كل منهما، وماذا يدور داخل معسكرى طرفى النهائى فى الساعات الأخيرة، وما السيناريو المتوقع لهذه المباراة؟... تساؤلات نجيب عنها فى التقرير التالى.
التانجو كثافة الوسط سلاح سكالونى.. وألفاريز رجل النهائى المرتقب
داخل معسكر منتخب الأرجنتين تسود حالة من التكتم على كل شىء، التدريبات مغلقة، وربع الساعة التى سُمِح للإعلام بمتابعتها غاب عنها ليونيل ميسى، فى مراوغة اعتدنا عليها منذ اليوم الأول فى الدوحة، فلم يدخل «ميسى» فى وجود الإعلام، وتم إبلاغنا بمعاناته من بعض الآلام، ثم تأكدنا من أنها مراوغة لإبعاده عن العيون، ثم تكرر الأمر فى أكثر من مباراة.
باستثناء ليونيل ميسى، لم يصرح أى لاعب أرجنتينى لأى تليفزيون أو موقع أو صحيفة قبل المباراة، التزم الجميع الصمت الكامل، وكانت هذه هى السمة الغالبة على المنتخب الأرجنتينى، بخلاف ما جرى فى معسكر المنتخب الفرنسى.
حتى تصريحات «ميسى» كان الهدف منها رفع الضغوط عن زملائه، فخلالها أشاد بهم كثيرًا وبما يقدمونه من أدوار كبيرة، مرجعًا لهم مع الجهاز الفنى الفضل فى الوصول للمباراة النهائية.
وقال «ليو» إنه يقول لزملائه دائمًا: «العبوا بأريحية ولا تخشوا شيئًا مهمًا جرى، وإذا سقطنا لن يلوموكم، سأكون أنا المتهم حال الخسارة، فلا تشغلوا بالكم بشىء، والعبوا بأريحية كاملة لتظهروا أفضل ما لديكم، وهذا ما يساعدنا على الفوز دائمًا».
باقترابه من محطة العمر رقم ٣٦، لم يعد «ميسى» ذلك الولد الخاضع المنطوى المستسلم للنقد وخيبة الأمل، وبات قائدًا يقف فى المقدمة ومتأهبًا للأمواج.. يصرح بثقة ويتحمل المسئولية ويتعارك مع الحكام ويهاجم مدربى الخصوم ويحفز زملاءه، بات «ميسى ٢٠٢٢» وجهًا مغايرًا تمامًا.
فى مباراة الليلة هو يبحث عن قطعته الأخيرة من المجد، ذلك الجانب الذى أرقه طوال مشواره، وجعله منقوصًا فى مقارنته مع دييجو مارادونا، لكن المتباين بين هذه المرة وكل المرات السابقة، أن «ميسى» أكثر ثقة، ويواجه ضغوطًا أقل، مع مجموعة تقاتل لأجله، وجمهور يعشقه أكثر.
ومع تقدم عمره وتراجع مردوده البدنى، ما زال الرسم الخططى لمدرب الأرجنتين سكالونى يدور حول «ميسى»، عبر الاعتماد بالأساس على دفاع قوى محصن، ووسط صلب مبنى على كثافة عددية، فى انتظار اللحظة التى سيتجلى فيها «ليونيل» ويصنع الفارق.
لم يكن «أرجنتين ٢٠٢٢» ممتعًا، ولا معبرًا عن هوية «التانجو»، لكنه كان نسخة عصرية تواكب الحداثة التى دخلت على كرة القدم والتكتيك الخاص بها، لكن ظل «ميسى» ذلك الفرد العبقرى الذى يدور حوله كل التفاصيل، ويعتمد عليه فى الحسم وخلق التفوق.
من المتوقع أن يلعب «سكالونى» بطريقة لعب «٤/٤/٢» التى اعتمد عليها أمام كرواتيا، والهدف منها تحقيق كثافة كبيرة فى وسط الملعب لخنق المساحات أمام الهجوم الفرنسى، وتكوين ثنائيات دفاعية على طرفى الملعب لمنع تفوق جناحى فرنسا وشل أطرافه، التى تمثل نقطة قوة كبيرة ومصدر تفوقه الأكبر.
دى بول يمينًا أمام مولينا، ثنائى ستكون مهمته وقف كليان مبابى، مع استغلال عدم عودته، وهو ما يجعلنا قد نرى «ميسى» يميل إلى الجهة اليسرى خلف «مبابى» لاستغلال المساحات التى تظهر، وفى اليسار يلعب ماكليستر أمام أكونيا، ويخترق العمق أكثر من دى بول، عبر التحول فى أوقات كثيرة بالقرب من المهاجم الصريح ألفاريز.
هجوميًا، سيركز «سكالونى» على سحب المنافس لمناطق متقدمة عبر ترك الكرة له فى البدايات، أو اللعب السلبى فى الوسط لجره، قبل أن ينطلق جوليان ألفاريز وينقض على المساحات، مستغلًا ذكاءه وسرعاته.
جوليان ألفاريز من المتوقع أن يكون أحد نجوم القمة المرتقبة بفضل ذكائه فى استغلال المساحات، واللعب بين قلبى دفاع فرنسا، وقدرته على خلق المساحات وترجمة الفرص لأهداف.
لكن هل هذا هو السيناريو الأوحد الذى يمكن البدء به؟
حتى الساعات الأخيرة قبل المباراة لم يستقر «سكالونى» على الطريقة، وكل ما تسرب من المعسكر هو محاولات للتشتيت وخداع ديديه ديشامب.
الديوك ضغوط أقل وثقة أكبر.. ورهان قوى على فرديات مبابى وطول جيرو
تبدو الضغوط أقل داخل معسكر منتخب فرنسا، فاللاعبون يشعرون بأريحية أكبر، لأن معظمهم متوج بمونديال النسخة الماضية، بينما مدربهم ديديه ديشامب ضمن استمراريته، وحتى الخسارة لن تعوق بقاءه مع الفريق، بعدما كان عرضة للرحيل حال ودع البطولة فى أدوار سابقة.
الشىء الوحيد الذى يشوب معسكر «الديوك» هو حالة الجدل التى خلقها كريم بنزيما، بعد رفضه دعوة حضور النهائى، ورده على محاولات ديديه ديشامب التهرب من الأسئلة التى تدور حول سر عدم ضمه للاعب الريال، حين قال الأخير فى تعليق على أمر كان الشغل الشاغل لدى الفرنسيين: «لست مهتمًا». وتسرب بعض الأخبار حول رفض زين الدين زيدان حضور المباراة النهائية، بعدما خالف الاتحاد الفرنسى وعده له بخلافة ديشامب عقب المونديال، وهو ما استغله «بنزيما» الذى نشر صورة مع زيدان يحتضنه فيها، والكرة الذهبية بحوزتهما.
لكن المدرب الفرنسى كان حاسمًا من البداية، وعمل على تهيئة الأجواء للقائد «مبابى»، صاحب الرصيد الأكبر من النجومية والحفاوة الإعلامية فى ظل غياب «بنزيما»، وكذلك منح الفرصة التاريخية لـ«جيرو» ليتألق ويتجاوز تيرى هنرى فى صدارة هدافى فرنسا.
ترتكز قوة المنتخب الفرنسى فى الشخصية، ونعنى بها الفريق الذى لا تهزه ضغوط، ولا تزوره شكوك، حتى ولو لم يكن الطرف الأفضل. يمكنك القول إن فرنسا فى مونديال ٢٠٢٢ هو ريال مدريد الأندية فى دورى أبطال أوروبا فى السنوات الأخيرة.
ليس ضروريًا أن ينال الحيازة ولا يهتم بالتحكم فى الرتم، وبأقل عدد من التمريرات يصل لمرمى المنافس، ومن اللا فرص يسجل أهدافًا، ومهما كان منافسه مستحوذًا على الكرة، فلا يصيب مرماه أى قلق أو يزعج لاعبيه أى شىء، الفريق بكل أفراده يتمتع بحالة ثبات استثنائية. لكن أمام ليونيل ميسى قد يتبدل الأمر، فبمراوغة قادر على هز مدافع، وبتسديدة قادر على رعب فريق، وبانطلاقة يستطيع تخويف بلد بأكمله.
صحيح أن أوليفه جيرو الهداف التاريخى لـ«الديوك» قال إن الأرجنتين ليس «ميسى» فقط، وحينما سئل عنه اكتفى بقوله إنه «لاعب جيد فقط»، لم يخفِ ذلك تخوفهم من «ليو»، وإدراكهم أنهم أمام تحد مختلف عن كل الرهانات السابقة.
يعى جيدًا تشاومينى، نجم ارتكاز فرنسا، أن «ميسى» صداع وخطر يحاوطه شخصيًا، فحاول مبكرًا ركله قبل انطلاق الصافرة، بتصريح قال فيه: «مبابى أفضل من ميسى وسيثبت ذلك فى ليلة النهائى».
فرنسا يعتمد أيضًا على ارتجالية ومهارة الأفراد فى وجود «مبابى» وأنطوان جريزمان وعثمان ديمبلى، ثلاثتهم يخلق حلولًا فردية وأفكارًا مبتكرة، وقدرة على فك التكتل، وبكرة عرضية يتمكن «جيرو» أن يقفز فوق الجميع ويصنع الفارق.
كما يمنح البنيان الجسدى والتفوق البدنى ميزة كبيرة للاعبى فرنسا فى كل خطوط اللعب، فطوال مشوار البطولة كان اللاعب الفرنسى الأقوى والأسرع فى أى مواجهة ثنائية، لكن ذلك الرهان سقط مع جفارديول مدافع كرواتيا أمام ذكاء وحكمة «ميسى»، وقد لا يكون السلاح الأفضل اليوم.
دفاعيًا يرتكز «ديشامب» على رباعى قوى، وفى وقت التقدم والاستحواذ يؤمن نفسه ببقاء الظهير الأيمن كوندى كمدافع ثالث، وأمامهم يدافع تشاومينى أمام التحولات، ويستغل ذكاءه وقوته فى إفساد الهجمات.