
في ظاهرة جيولوجية لافتة، انفجر بركان كراشينينيكوف النائي في أقصى شرق روسيا، لأول مرة منذ نحو ستة قرون، ويقع البركان في شبه جزيرة كامتشاتكا، وهي منطقة نشطة زلزاليًا وبركانيًا تُعرف باسم "أرض النار والجليد"، وتضم مئات البراكين النشطة والخامدة.
وتزامن ثوران كراشينينيكوف مع سلسلة من الزلازل القوية التي ضربت المنطقة مؤخرًا، من بينها زلزال عنيف بلغت قوته 8.8 درجة على مقياس ريختر، صنفته المجلة ضمن أقوى الزلازل المُسجلة على الإطلاق، وأثار موجات تسونامي دفعت إلى عمليات إجلاء وتحذيرات في مناطق بعيدة مثل هاواي ونيوزيلندا.
وبحسب وزارة خدمات الطوارئ الروسية، تسبب ثوران البركان في تصاعد عمود ضخم من الرماد البركاني وصل ارتفاعه إلى نحو 6000 متر (20 ألف قدم).
ويُعد هذا أول نشاط موثق لهذا البركان منذ عام 1463، ما يجعله حدثًا جيولوجيًا نادرًا ومثيرًا للاهتمام، حسب مجلة "نيوزويك" الأمريكية.
علاقة محتملة بين الزلزال والثوران البركاني
ويرى خبراء جيولوجيين أن التوقيت بين الزلزال وثوران البركان يعزز الفرضية التي تربط بين الضغوط التكتونية والزلازل الكبيرة واندلاع البراكين. وتحدث هذه التفاعلات النادرة عندما يؤدي الضغط الزلزالي إلى زعزعة غرف الصهارة الخاملة، ما يؤدي إلى نشاط بركاني مفاجئ.
وأشار الخبير الجيولوجي كلايف أوبنهايمر، أستاذ علم البراكين في جامعة كامبريدج، إلى أن "الزلازل الكبرى يمكن أن تؤدي إلى ثورات بركانية في نطاق مئات الكيلومترات من مركز الزلزال، رغم أن آلية ذلك لم تُفهم بالكامل بعد". وأضاف في حديثه لـ نيوزويك: "ما حدث في كراشينينيكوف مثير للاهتمام ويستحق المتابعة العلمية الدقيقة".
كامتشاتكا.. واحدة من أكثر بقاع الأرض اضطرابًا
تُعد شبه جزيرة كامتشاتكا من بين أكثر المناطق نشاطًا جيولوجيًا على كوكب الأرض، حيث تضم أكثر من 300 بركان، من بينها 29 نشطًا حاليًا، وفقًا لوكالة "ناسا".
وتقع المنطقة ضمن ما يُعرف بـ"حلقة النار"، وهي سلسلة من البراكين والنشاط الزلزالي تمتد على طول حدود المحيط الهادئ، وتشمل دولًا مثل اليابان وإندونيسيا والولايات المتحدة وروسيا وتشيلي.
وقد أشار تقرير "نيوزويك" إلى أن بركان كليوتشيفسكوي، وهو أحد أنشط البراكين في كامتشاتكا، بدأ أيضًا في الثوران بالتزامن مع الزلزال الأخير، ما يعزز القلق من أن تكون المنطقة على موعد مع نشاط جيولوجي متسلسل خلال الفترة المقبلة.
تحذيرات وتساؤلات
وقد أطلقت السلطات الروسية تحذيرًا من تسونامي في أعقاب الزلزال، قبل أن يتم رفعه لاحقًا.
كما رفعت وزارة الطوارئ الروسية حالة التأهب في مجال الطيران إلى "الرمز البرتقالي"، في إشارة إلى احتمال تعطل الرحلات الجوية نتيجة الغبار البركاني الكثيف.
وفي حديث للمجلة، أكدت أولغا جيرينا، رئيسة فريق الاستجابة البركانية في كامتشاتكا، أن "هذا أول ثوران مؤكد تاريخيًا لبركان كراشينينيكوف منذ 600 عام".
وأشارت إلى أن سحابة الرماد تحركت شرقًا باتجاه المحيط الهادئ، دون أن تهدد مناطق مأهولة بالسكان.
توقعات العلماء.. وقلق عالمي
ويرى الخبراء أن ما يحدث حاليًا في كامتشاتكا يُظهر كيف يمكن لكارثة طبيعية واحدة أن تؤدي إلى تفعيل سلسلة من الكوارث الأخرى، بما في ذلك النشاط البركاني.
وتوقعت "نيوزويك" أن تُركز الدراسات الجيولوجية في الفترة المقبلة على فهم العلاقة بين الزلازل الكبرى وثوران البراكين، لا سيما في المناطق الواقعة ضمن "حلقة النار".
وبينما يزداد الحديث عن تأثير التغيرات المناخية والجيولوجية على الأرض، يُشكل ما حدث في روسيا نموذجًا صارخًا للتفاعل المعقد بين طبقات الكوكب.
وقد تكون كامتشاتكا الآن مختبرًا طبيعيًا مفتوحًا لفهم تلك الظواهر التي لا تزال تُثير دهشة العلم حتى اليوم.