فى ذكرى تكريس الكنيسة المرقسية بالإسكندرية.. تاريخ تكرس بالدم
09.11.2022 09:13
اخبار الكنيسه في مصر Church news in Egypt
وطنى
فى ذكرى تكريس الكنيسة المرقسية بالإسكندرية.. تاريخ تكرس بالدم
حجم الخط
وطنى

الكنيسة المرقسية بالإسكندرية مقر الرئاسة الدينية للكنيسة القبطية منذ فترة القديس مرقس (15 – 68 م) كاروز الديار المصرية ومؤسس كنيسة الإسكندرية إذ أن أسقفها يحمل لقب “بابا وبطريرك”، لها تاريخ مجيد.

وإذ كان لأقباط مصر الفخر بأن الكاروز العظيم القديس مرقس قد وضع بيمينه المباركة أسس الكنيسة القبطية الرسولية الخالدة، فإن خلفاءه البطاركة الأبطال أتموا بناءها ودعموا صرحها، حتى إذا ما حلت الأيام العصبية وهددت كيانها ومصيرها بعواصفها وأعاصيرها، أستطاعت أن تصمد لشتى التجارب طيلة العصور البغيضة.

أما فيما يتعلق بتاريخ الكنيسة المرقسية بالإسكندرية – كما يذكر المؤرخ الكنسى الطبيب د. منير شكرى (1908 – 1990م) – إنه كما ورد فى تاريخ البابا بطرس البابا 17 والمُلقب بـ “خاتم الشهداء” (302 – 311م)، إنها كانت مكاناً بسيطاً للصلاة، فى جهة “بوكاليا”، وبجوار البحر على الميناء الشرقى الكبير. وفى هذا المكان اقتيد البابا بطرس ليصلى صلاة أخيرة فوق قبر القديس مرقس، قبل أن يذهب ويستشهد فى الوادى القريب من المدافن فى شرق المدينة.

وفى العام التالى 312م فى خلافة البابا “أرشيلاوس” البابا 18، وُسع هذا المكان بحيث صار كنيسة كبيرة سُميت كنيسة “بوكاليا”، ورُسم عليها كاهناً يُدعى “أريوس” صاحب البدعة الشهيرة التى دحضها البابا أثناسيوس الرسولي (328 – 373م) ومجمع نيقية المسكونى كله عام 325م، وهذه الكنيسة فضلاً عن كونها أقدم كنائس الإسكندرية وتضم بين جنباتها قبر القديس مرقس، فقد كانت أيضاً ذات أهمية لقربها من الميناء الكبير وفي وسط الحركة التجارية للمدينة.

وفى عام 641م أحرقت هذه الكنيسة، وأنتهز بعض النهابين هذه الفرصة ورفعوا غطاء القبر، وأقدم أحد بحارة السفن الراسية فى الميناء على سرقة رأس القديس مرقس وخبأها فى سفينته، وعندما أراد الإقلاع بها، ظلت السفينة فى مكانها رغم كل ما بُذل من جهود لتسييرها، ولم يجد ربان السفينة بداً من الأعتراف بالسرقة التي أقدم عليها، فذهب البابا بنيامين (623 – 662م) البطريرك 38 ليتسلم منه بكل حفاوة هذا الأثر المقدس، وأرسل إليه الدوق “سانوتيوس” بهذه المناسبة هبة قيمة من المال، ليعيد بها بناء الكنيسة .

ويُكّمل ساويرس بن المقفع المؤرخ فيقول: (رجع البطريرك إلى المدينة، وصنع صندوقاً من الخشب وعليه قفل، ووضع فيه رأس القديس، وأنتظر إلى أن تتهيأ الظروف لبناء الكنيسة)، إلا أن الظروف لم تتهيأ سوى فى عهد البابا يوحنا الثالث المُلقب بـ “السمنودى” (680 – 689م) البابا 40، فأتم بناءها عام 683 وتنيح أثناء الصلاة فيها، وبنى أيضاً بجوارها ديراً يقيم فيه الرهبان لحراسة الآثار المقدسة فيها.

ويُقال أنه فى بداية عام 831م استعمل تاجران من البندقية (فينيسيا بإيطاليا) المكر والخداع لسرقة جسد القديس مرقس ونقله إلى بلدهما فينيسيا. وفى عام 1219 دُمرت الكنيسة مرة أخرى عن آخرها. ويذكر سفير البندقية أن الكنيسة كان قد تم إعادة بنائها عام 1512م، وفى عام 1527م يذكر أحد زوارها يُدعى “بيير دو مانس” أن الرهبان كانوا يقيمون فى دار للبطريركية بجوار الكنيسة.

وفي عام 1798م، أثناء الحملة الفرنسية، دُمرت الكنيسة مرة أخرى، وأعيد بناؤها فى حجم أصغر. وفى عام 1870 جُددت مرة أخرى، وفى عام 1952م أعيد بناؤها – بعد أن كانت آيلة للسقوط – في حبرية البابا يوساب الثانى (1946 – 1956) البابا 115، بحجم أكبر وفي ثوب قشيب.

وفى عام 1968 فى أحتفال الكنيسة القبطية بعودة بعض من رفات القديس مرقس الموجودة بفينيسيا فى حبرية البابا كيرلس السادس (1959 – 1971) البطريرك 116 وفى أحتفال الكنيسة القبطية بتذكار 19 قرناً على إستشهاد القديس مرقس، طلب من الأستاذ بديع عبد الملك (1908 – 1979) المتخصص فى رسم الخط الفرعونى بالمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية وأحد مؤسسى جمعية مارمينا العجايبى للدراسات القبطية بالإسكندرية، بإعداد لوحة رخامية ضخمة تضم اسماء خمسون بطريركاً مما تضمهم الكنيسة المرقسية وذلك باللغات القبطية والعربية والإنجليزية وقد تم وضعها في الجهة القبلية الغربية من الكنيسة بجوار الباب الذى يؤدى إلى مزار القديس مرقس حيث توجد رأسه المقدسة طبقاً لتقليد الكنيسة القبطية. ثم فى عام 1990 قام البابا شنوده الثالث (1971 – 2012) بتوسيع الكنيسة من الجهة الغربية بعد أن ضاقت بالمصلين.

ومهما يكن من أمر فليس موقع الكنيسة ورفات القديس هما كل ما فى الأمر. إن للتاريخ أيضاً ناحية روحية خالصة، فلنذكر في يوم ذكرى العثور على رأس القديس مرقس الموافق 9 نوفمبر، كيف تم إستشهاده، وكيف صعدت روحه الطاهرة ليكون في أستقبال أولاده الذين سلكوا الطريق المُخضب بالدماء، الطريق الذي ڜ تبعته فيه صفوف متراصة متلاحقة، للأبطال الشجعان من أبناء الكنيسة القبطية الذين استمسكوا بعقيدتهم وشريعتهم ومُثلهم العليا حتى الموت.

هذا هو سجل الشرف الخالد. وهذا القديس مرقس أول من كتب اسمه – على أرض مصر – بدمه.

والقديس مرقس وُلد يهودياً فى أورشليم عام 15 ميلادية وسُمى “يوحنا”، وكعادة اليهود فى ذلك الوقت، أختير له بعد ذلك اسم لاتينى، أكثر اليونانيون من استعماله وهو “مرقس”. ولذلك يُسمى فى كتاب أنجيل العهد الجديد تارة يوحنا، وتارة مرقس، وأحياناً يوحنا المُلقب بمرقس. كانت والدته “مريم” إحدى اللواتي تقدمن الصفوف فى فجر المسيحية في أورشليم، وتحمل في شخصها مثلاً عالياً، عن نشاط المسيحيات في ذاك الوقت، إذ لم تتردد في جعل منزلها مركزاً مهماً للنشاط المسيحي في أورشليم. وكان منزلها هو المنزل الذى أقام فيه السيد المسيح “العشاء الأخير” أو “العشاء السرى” كما ورد في التقليد الكنسى. هذا المنزل تقوم مكانه حالياً كنيسة السريان الأرثوذكس في القدس.

كان أول عهد القديس مرقس بالرحلات التبشيرية ذهابه مع برنابا وبولس الرسولين إلى أنطاكية ثم بعد ذلك إلى قبرص. وكان القديس مرقس أبن أخت القديس برنابا الرسول. بعد ذلك حضر القديس مرقس إلى الإسكندرية ليبشر بالمسيحية، وكان أول من أعتنق المسيحية على يديه رجل إسكافى يُدعى “إنيانوس” مع عائلته كلها، حتى أن بيته صار أول كنيسة بمدينة الإسكندرية، أما إنيانوس (68 – 83م) فقد أقامه القديس مرقس خليفة له ليكون البطريرك الثانى فى عداد بطاركة الكنيسة القبطية.

 

أخذ القديس مرقس يجول فى شوارع الإسكندرية مبشراً بالمسيحية، وبينما هو مثابر فى تبشيره بالإسكندرية أختتم صحيفة جهاده فى أحتفال الأقباط بعيد القيامة عام 68 ميلادية بإستشهاد رائع على أيدى كهنة معبد السيرابيوم الذين أهاجوا عليه الغوغاء فهاجموه ووضعوا حبلاً فى عنقه وسحبوه فى شوارع المدينة حتى أنطلقت روحه بسلام. ويُقال أن موضع إستشهاده هو المقر الحالى لكلية سان مارك بمنطقة الشاطبى بالإسكندرية كما يذكر الأب متى المسكين (1920 – 2006). ودُفن فى كنيسة “بوكاليا” وكانت تقع إلى الشرق قليلاً من حمامات الشاطبى، وتعيد الكنيسة القبطية ذكرى إستشهاده فى 30 برموده الموافق 8 مايو، وفى 30 بابه الموافق 9 نوفمبر تحتفل الكنيسة بتذكار تكريس كنيسة القديس مارمرقس بالإسكندرية وتذكار ظهور رأسه المقدسة طبقاً للتقليد الكنسى.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.