بين الحين والآخر يظهر في الأفق موضوع هذا الكتاب، الذي يشير إليه البعض على أنه الإنجيل الحقيقي، وأننا لا نريد نحن المسيحيين أن نعترف به، وسنروي قصة هذا الكتاب، ونقرأ بعضا من أفكاره، ثم نعرض لآراء المفكرين الإسلاميين الأجلاء الذين رفضوا هذا الكتاب أيضا معنا.
قصة هذا الكتاب
جاءت هذه القصة في مقدمة النسخة الإسبانية لهذا الكتاب، وهي نسخة يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر، وهي كالآتي: أن هناك راهب يدعى (فرامارينو) من روما، كان في زيارة يوماً إلى بابا روما (البابا سكستوس) عام 1585م، وكانت هذه الزيارة في المكتبة، فعثر الراهب على كتاب القديس ايرينئوس الذي ينقض فيه تعاليم القديس بولس الرسول، ويشير إلى كتاب يدعى إنجيل برنابا، فأخذ الراهب يصلي إلى اللـه حتى وقع سبات على البابا في المكتبة، وأخذ الراهب يبحث عن إنجيل برنابا حتى وجده، ولما درسه أسلم!
وبالرغم من سذاجة القصة، وعدم منطقيتها، إلا أنها أيضا لا يمكن أن تكون قد حدثت، وذلك للأسباب الآتية:
1- أنه لا يوجد كتاب في العالم كله للقديس ايرينئوس يهاجم فيه بولس الرسول أو تعاليمه فما هذا الكتاب الخفي للقديس ايرينئوس الذي يناقض تعاليم القديس بولس الرسول؟ ولماذا لم يعثر عليه أحد أو حتى يسمع به؟
2- إذا كان هناك إنجيل يدعى إنجيل برنابا، فلماذا لم يوجد له أي إشارة أو اقتباس منه في كتابات الآباء؟. فهل يعقل أن طيلة هذه القرون لم يوجد شخص واحد عنده من الأمانة ما يكفي كي يخبرنا بوجود هذا الكتاب؟... فاللـه الذي أعطي سباتاً على بابا روما لكي يجد هذا الراهب الإنجيل المزعوم، ألم يكن قادراً أن يهدي أي شخص طيلة القرون الثمانية عشر كي يهدي به العالم ولا يتركهم مؤمنين بإنجيل مختلف تماماً عن إنجيل برنابا إجمالاً وتفصيلاً؟ وكيف يكون إنجيلاً في القرن السادس عشر ولا يكون له إلا نسخة واحدة في الفاتيكان.
3- إذا كان هذا الكتاب له وجود أيام ظهور الإسلام (في القرن السادس الميلادي)، لوجدنا أي إشارة له في القرآن، فمثلاً نحن نستطيع أن نثبت من المخطوطات التي اكتشفت، وجود الأربعة أناجيل في فترة قبل وأثناء وجود الإسلام، مع وجود خلاف في بعض المواضع بين الإنجيل والقرآن، وهذه المواضع هي نفس المواضع التي يتفق فيها إنجيل برنابا مع القرآن ... فكان من المنطقي بل ومن الأولى جداً أن يأتي ذكره في القرآن، والتأكيد على أنه هو الإنجيل الصحيح إذا كانت هذه هي الحقيقة، ولكن هذا لم يحدث، بل على العكس ... فإن أعظم مؤرخي الإسلام يذكرون أن الأناجيل أربعة، وهي: متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، كما هو مذكور في الكتب الآتية:
-القول الإبريزي للمقريزي ص 18
-البداية والنهاية للإمام عماد الدين ص 100 جـ2
-مروج الذهب لابن الحسن المسعودي ص161 جـ1
4- كل أفكار هذا الكتاب خرافات غير مقبولة، فلقد حفل هذا الكتاب بأخطاء عديدة ومتنوعة فضحت فكر وشخصية كاتبه، ومن هذه الأخطاء:
أ-أخطاء تاريخية كثيرة منها
أدعى الكاتب أنه لبرنابا الرسول، وأنه أحد تلاميذ السيد المسيح الذين كانوا معه، وهذا خطأ ساذج يلغي الكتاب من البداية من قبل أن نضطلع عليه، لأن برنابا لم يكن من تلاميذ السيد المسيح، بل إنه لم يره أبداً، فبرنابا الرسول هو يهودي قبرصي، آمن على يد الرسل بعد صعود السيد المسيح بتسع سنوات كما يذكر لنا سفر الأعمال (أع 4: 36).
ب-أخطاء علمية وبيئية:
لقد وقع الكاتب في أخطاء تؤكد لنا أنه لم يعرف جيداً الذي كان يتكلم عنه، بل أنه لم ير أبداً الأماكن التي ذكرها .