تحتفل الكنيسة البيزنطية بحلول عيد أحد الشعانين، وبهذه المناسبة القت الكنيسة عظة احتفالية قالت خلالها: يروي لنا الإنجيل اليوم أنّه بينما كان يسوع على المائدة مع لعازر الّذي أقامه من الموت، دنت منه مريم، شقيقة لعازر ومرتا "وتَناولَت حُقَّةَ طِيبٍ مِنَ النَّارَدينِ الخالِصِ الغالي الثَّمَن، ودهَنَت قَدَمَيّ يسوع".
غالبًا ما نقرأ في الإنجيل أنّ يسوع أُعجِب كثيرًا بعظمة إيمان القدّيسة مريم. في المقطع السابق، أبكت الربّ، فيما كانت تبكي أخيها؛ لقد حثّت ربّ الحنان على الحنان. رغم أنّه كان على وشك إقامة لعازر من الموت، فقد بكى الربّ فيما كانت مريم تبكي، ليُبيّن في آنٍ معًا حنانه الخاص وفضل مريم... أظهرت لنا دموع الربّ سرّ التجسّد الّذي أخذه على عاتقه؛ كما ألقت قيامة لعازر الضوء على عظمة ألوهيّته (أي ألوهيّة الربّ).
لاحظوا في هذا المقطع إخلاص هذه المرأة القدّيسة وإيمانها. كان الآخرون على المائدة مع الربّ؛ أمّا هي، فكانت تدهن قدمَيه بالطيب. كان الآخرون يتبادلون الأحاديث معه؛ أمّا هي، وفي صمت إيمانها، كانت تمسح قدمَيه بشعرها. بدا الآخرون في منصب الشرف بينما اختارت هي الخدمة.
لكنّ خدمة مريم كانت أهمّ بنظر المسيح من مناصب الشرف الّتي احتلّها المدعوّون. في كلّ الأحوال، فقد قال الربّ: "الحقّ أقول لكم: حيثما تعلن هذه البشارة في العالم كلّه، يحدث بما صنعت إحياء لذكرها".
فما كانت الخدمة الّتي أدّتها تلك المرأة القدّيسة حتّى أنّها أُعلنت في العالم بأسره ونحن نعلنها كلّ يوم؟ انظروا إلى تواضعها. هي لم تبدأ بدهن رأس الربّ بل قدميه... شرعت بالقدمين لكي تستحقّ الوصول إلى الرأس، لأنّ "مَن رفع نفسه وضع، ومَن وضع نفسه رفع"، كما جاء في الكتاب المقدّس. لقد تواضعت لكي تُرفع