صوت الأكراد بأغلبية كبيرة لصالح الانفصال عن العراق في استفتاء الإثنين الماضي، وهي نتيجة لم تكن نتيجة غير متوقعة، فطالما أراد سكان الإقليم الواقع شمالًا الانفصال عن العراق إما بسبب توقهم لتكوين دولتهم الخاصة أو للمسارات المختلفة التي اتخذتها العلاقة بين إربيل وبغداد، منذ توقيع معاهدة الحكم الذاتي في مارس 1970.
لا يعرف علي وجه التحديد ما الذي يريده مسعود برازني، من وراء الاستفتاء، وإذا ما كان سيعلن الانفصال من جانب واحد بعد تلك النتائج، أو مفاوضة بغداد علي أرض جديدة للحصول علي مكاسب وحرية أكبر، وسط موقف إقليمي متوتر وبقاء احتمالات نشوب نزاع عنيف في نسب عالية، ذلك بالإضافة إلي الموقف الدولي الرافض لانفصال الإقليم لما له من تداعيات كبري.
ويبقي الترقب لما ستفعله تركيا التي ردت خطابيًا بشكل عنيف واعتبرت أن الاستفتاء غير شرعي وبمثابة خيانة وأنها لن تعترف بأي نتائج تترتب عليه، فلا يتوقع أن تقبل أيًا من تركيا أو إيران بقيام كيان مستقل علي حدودهما تشترك إثنيته مع إثنية جاليات كردية كبيرة تعيش داخل حدودها، فلن تسمح أي من تلك الدول برسم خطوط حدود جديدة تهدد باقتطاع أجزاء من أراضيها أو إحداث توتر تري نخبها الحاكمة أنها في غني عنه.
واحتمال نشوب نزاع عنيف ليس فقط ما يقلق كردستان إذا قررت الانفصال، فتمويل تلك الدولة إذا قامت سيكون مشكلة كبيرة، فجزء كبير من اقتصاد كردستان يعتمد علي تركيا، التي هددت بإيقاف تدفق البضائع وكذلك تعتمد كردستان علي تركيا في تصدير النفط للعالم من ميناء جيهان التركي، وكذلك العراق الذي يمول ما بين 13 إلي 17% من ميزانية الإقليم، وهو جزء حيوي سيضع ضغوطًا كبيرة علي إربيل في حال قررت الحكومة المركزية ببغداد قطع تمويلها، وقد يؤدي هذا إلي اضطرابات كبيرة خاصة أن كردستان خفضت الرواتب الحكومية بالفعل في عام 2015 وتوقفت عن دفع بعضها، بعد أزمة مالية كبيرة في 2014.
وللنزاع بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد تاريخ طويل، كان الاستفتاء هو آخر حلقاته التي لا يعرف إلي أين تنتهي.
بدأ النزاع مع حلم الأكراد بتكوين دولة خاصة بهم في مطلع القرن العشرين، بعد تهاوي الدولة العثمانية، وتوقيع بريطانيا وفرنسا اتفاقهما السري، لتقسيم مناطق النفوذ بالهلال الخصيب، وقسم الأكراد علي تركيا والعراق وإيران وسوريا.
طلبت النخب الكردية مساعدة بريطانيا لإقامة دولة مستقلة باسم كردستان، ووضع حلفاء الأكراد الغربيون بالفعل تصورًا بعد هزيمة الدولة العثمانية لإقامة دولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920، لكن آمال الأكراد تحطمت بتوقيع معاهدة لوزان بعد ذلك التاريخ بثلاث سنوات والتي وضعت الحدود الحالية لتركيا بشكل لا يسمح بإقامة دولة كردية.
ثار الأكراد علي الانتداب البريطاني، وفي عام 1946 أسس الملا مصطفى البارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني بهدف الحصول على الحكم الذاتي في إقليم كردستان.
وبعد ثورة عام 1958، اعترف الدستور العراقي المؤقت بالقومية الكردية، حتي أعلن الزعيم الكردي مصطفى البارزاني القتال المسلح عام 1961، وظل القتال دائرًا حتي نهاية الثمانينات والتي شهدت مذبحة قام بها صدام حسين، ضد الأكراد في حلبجة والتي قصفها في غارات بالسلاح الكيماوي في عمليات انتقامية أطلق عليها عمليات الأنفال، خلال الحرب العراقية الإيرانية.
لكن مع هزيمة العراق في حرب الخليج عام 1991، اشتعلت انتفاضة واسعة في إقليم كردستان وجنوب العراق، وفرضت الولايات المتحدة حينها، منطقة حظر جوي ما منع صدام حسين من شن غارات جوية، وسمح للأكراد بإقامة حكم ذاتي، لكن اشتعل صراع داخلي بين الحزبين الكرديين عام 1994 استمر حتى 1998.
أثناء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 عاون الأكراد القوات الأمريكية لإسقاط الحكومة في بغداد وعلي رأسها صدام حسين.
وبعد سقوط صدام حسين، حظي الأكراد بتمثيل في مجلس الحكم العراقي، وحظوا باعتراف كامل بالحكم الذاتي لحكومة إقليم كردستان في الدستور الدائم عام 2005، وحظوا بسيادة كاملة والسلطة الدستورية علي محافظات إربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة، وحظي الأكراد بمنصب رئيس الجمهورية، والذي يتولاه اليوم فؤاد معصوم، ويتولي حكم الإقليم مسعود برزاني.
وكان من المفترض أن تسير الأمور علي هذا النحو، إلا أن مسارات العلاقة بين بغداد وإربيل، عاصمة تعقدت وسط اتهامات حكومة إربيل لبغداد بالطائفية وتخريب الشراكة، وكذلك تجدد السعي التاريخي للأكراد بالحصول علي دولة مستقلة.