الدين لله والصوم للجميع.. الأقباط يبدأون «الصوم الكبير» تزامنًا مع حلول شهر رمضان
22.02.2025 06:24
اخبار الكنيسه في مصر Church news in Egypt
الدستور
الدين لله والصوم للجميع.. الأقباط يبدأون «الصوم الكبير» تزامنًا مع حلول شهر رمضان
حجم الخط
الدستور

تبدأ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الصوم الكبير بعد غد الإثنين، ٢٤ فبراير الجارى، ولمدة ٥٥ يومًا، تنتهى بليلة عيد القيامة المجيد، فى ١٩ أبريل المقبل، بينما تبدأ الكنيستان الكاثوليكية والروم الأرثوذكس صومهما، يوم ٣ مارس المقبل.

يأتى صوم الكنيسة الأرثوذكسية قبل بدء المسلمين صوم شهر رمضان بنحو ٤ أيام، إذ تشير الحسابات الفلكية إلى أن أول أيام الشهر المعظم هو السبت المقبل ١ مارس، ما يتيح للمصريين من مختلف الأديان المشاركة فى فريضة الصوم والاحتفال الروحى معًا. 

«الدستور» ترصد، فى التقرير التالى، أبرز استعدادات الكنائس المصرية لبدء الصوم الكبير، وأهم الطقوس التى تحييها فى تلك الفترة المقدسة.

 

يبدأ بـ«أسبوع الاستعداد».. ويشمل صلوات ونهضات روحية يومية

 

قال القس يوساب عزت، أستاذ القانون الكنسى والكتاب المقدس فى الكليات الإكليريكية، إن الصوم الأربعينى يُعد من الطقوس المسيحية المهمة، فى ظل ما يحمله من معانى الفداء والمشاركة فى آلام السيد المسيح. 

وأضاف القس يوساب: «هذا الطقس يتميز بألحانه التى تعكس الخشوع والعمق الروحى، ويمتد على مدار ٥٥ يومًا، مقسمة إلى ٣ مراحل رئيسية، تبدأ بأسبوع الاستعداد، الذى يعد فترة تحضير روحى للمؤمنين، يستعدون فيه لاستقبال زمن الصوم».

وواصل: «يتبع أسبوع الاستعداد فترة الـ٤٠ يومًا، وهى المدة التى صامها السيد المسيح فى البرية (متى ٤:٢)، وخلال هذه الفترة يُشجع المؤمنون على ممارسة الصوم والصلاة، والتأمل فى حياة المسيح وتعاليمه».

وأكمل: «ينتهى الطقس بأسبوع الآلام، الذى يُعتبر الأسبوع الأخير، ويُركز على الأحداث المؤلمة التى عاشها المسيح قبل صلبه، ما يعكس عمق المعاناة والفداء»، مشيرًا إلى أن جذور «الصوم الأربعينى» تعود إلى القرن الأول، بعد «عيد الغطاس»، حيث كانت الكنيسة تصوم فى هذا الوقت. 

وتابع: «فى عهد البابا ديمتريوس الكرام، تم دمج الصوم الأربعينى مع أسبوع الآلام، ما أضاف بُعدًا جديدًا لهذا الطقس، وكان الموعوظون، الذين يستعدون لتلقى سر المعمودية، يصومون لمدة ٤٠ يومًا قبل قبول هذا السر».

وأوضح أنه خلال هذه الفترة، كانوا يتلقون الوعظ يوميًا، وتنتهى فترة صومهم بـ«أحد التناصير»، حيث يقبلون سر العماد، ثم يكملون الصوم لمدة ١٥ يومًا إضافية مع المؤمنين حتى عيد القيامة المجيد، وبهذا، يمثل «الصوم الأربعينى» فرصة للمؤمنين للتأمل فى معانى الفداء وتجديد إيمانهم، من خلال الصوم والصلاة والمشاركة فى آلام المسيح.

وقال أستاذ القانون الكنسى والكتاب المقدس فى الكليات الإكليريكية إن الأسبوع الأول لـ«الصوم المقدس» يُسمى أيضًا بـ«الصوم السيدى»، لأن السيد المسيح هو الذى صامه بنفسه، ويُطلق عليه أيضًا «الصوم الكبير»، ويعد أحد أهم الأصوام الكنسية، وهو من أصوام الدرجة الأولى، إذ لا يُسمح خلاله بتناول السمك.

وكشف عن ٣ أسباب رئيسية لإضافة الأسبوع سالف الذكر، منها صوم أسبوع كفارة عن قتل الملك هرقل اليهود الذين اضطهدوا المسيحيين، وكاستعداد للصوم، عبر التدرج فى النسك والعبادة، وكبديل لـ«السبوت»، ليصبح الصوم ٤٠ يومًا، فإسقاط «السبوت» و«الأحاد» يجعل الصوم ٣٦ يومًا فقط، وليس ٤٠ يومًا كما يُطلق عليه «الأربعينى».

وأضاف القس يوساب: «أسبوع هرقل هو أحد الأسابيع المهمة فى التقويم المسيحى، ويشير إلى الأسبوع الذى يسبق عيد القيامة، وسُمى بهذا الاسم نسبةً إلى القديس هرقل، الذى يُعتبر رمزًا للقوة والشجاعة فى الإيمان».

وواصل: «القديس هرقل كان شخصية بارزة فى الكنيسة، وأظهر قوة إيمانه فى مواجهة التحديات، ما دفع إلى تخصيص هذا الأسبوع لتكريمه»، معتبرًا أن «أسبوع هرقل» يُعتبر رمزًا للقوة الروحية التى يحتاجها المؤمنون لمواجهة الصعوبات والآلام، تمامًا كما واجهها السيد المسيح. 

وبين أن هذا الأسبوع يتضمن العديد من الطقوس والاحتفالات التى تعكس قوة الإيمان والتضحية، وتعكس روح القديس هرقل، ويعد فرصة للمؤمنين للتأمل فى معانى القوة والإيمان، ويشجعهم على تعزيز إيمانهم فى مواجهة التحديات الروحية.

وأتم بقوله: «الكنائس تنظم خدماتها خلال الصوم الكبير بإقامة الصلوات والقداسات اليومية، بالإضافة إلى الاجتماعات والنهضات الروحية احتفالًا بهذا الصوم المقدس، الذى يُعتبر ربيع أيام السنة الروحى».

 

السنة القمرية والشمسية وراء اختلاف الموعد سنويًا

 

كشف كيرلس كمال، الباحث الكنسى، عن سبب تغيير موعد بدء الصوم الكبير وعيد القيامة، واختلافه من سنة إلى أخرى، واصفًا «القيامة» بأنه من أهم وأقدم الأعياد المسيحية، الذى تحتفل به الكنيسة من القرون الأولى.وقال «كمال» إن موعد الصوم الكبير يختلف من سنة إلى أخرى بسبب طبيعة التقويم القمرى، الذى تختلف دورته عن التقويم الشمسى، فالشهر العبرى القمرى عبارة عن ٢٩ و٣٠ يومًا، والسنة القمرية أقل من الشمسية بحوالى ١١ يومًا، فتحسب الكنيسة الفارق أو الباقى بين التقويمين لتحديد موعد العيد بدقة.

وأضاف الخَادم فى قطاع غرب الإسكندرية: «قرر مجمع نيقية المسكونى الأول، خلال انعقاده فى عام ٣٢٥ ميلادية، على بطريرك الإسكندرية أن يحدد موعد عيد الفصح، ويرسل الفصحية كل عام إلى كل أساقفة المسكونة، ويعلن فيها موعد بدء الصوم الكبير وعيد القيامة».

وواصل: «وضع البابا ديمتريوس الكرام الحساب الأبُقطى لاحتساب الفرق بين التقويمين الشمسى والقمرى، دون الرجوع إلى اليهود لتحديد اليوم الذى يأتى فيه الفصح اليهودى».

وأكمل: «موعد تحديد عيد الفصح حسب السنة الدينية اليهودية كان يقتصر على كهنة اليهود فقط، ولا يعرفه الأقباط، والحسابات اليهودية للتقويم معقدة جدًا، لذا وضع البابا ديمتريوس هذا الحساب لتحديد موعد الفصح بدقة، دون أن يحتاج إلى معرفته من اليهود».

وتابع: «حسب نص الدسقولية (فصل ٣١) يجب أن يأتى عيد القيامة يوم أحد، ويكون الأحد الذى يسبق الفصح اليهودى، أى بعد الاعتدال الربيعى، فى ٢١ مارس من كل عام»، مشيرًا إلى أن «الاحتفال بعيد القيامة يكون مرة واحدة فقط فى السنة؛ لأن المسيح صُلب عنّا وقام مرة واحدة فقط».

 

إغلاق الأديرة أمام الزوار لتوفير أجواء الخلوة الروحية

 

أعلنت عدة أديرة إغلاق أبوابها أمام الأقباط طوال فترة الصوم الكبير وحتى «سبت النور» وعيد القيامة المجيد، كعادتها خلال هذه الفترة الروحية.

وأعلن الأنبا بيجول، أسقف ورئيس دير السيدة العذراء مريم المُحرق العامر فى جبل قسقام بأسيوط، عن غلق أبواب الدير بالكامل، خلال فترة الصوم الكبير، على أن يعاود الدير فتح أبوابه يوم «سبت النور»، الموافق ١٩ أبريل المقبل.

كذلك أعلن دير الأنبا باخوميوس فى الأقصر، المعروف بـ«دير الشايب»، عن إغلاق أبوابه أمام الأقباط والزوار، طوال فترة الصوم الكبير. وقال الأنبا ديسقورس، أسقف ورئيس الدير: «يعتذر الدير عن عدم استقبال جميع الزوار، بمن فى ذلك الرحلات والأفراد وأسر الآباء الرهبان، طوال فترة الصوم الكبير، باستثناء أيام الجمعة والسبت والأحد من كل أسبوع، إذ سيكون مفتوحًا فيها لاستقبال الزوار ونوال البركة». كما أعلن دير مار جرجس فى الأقصر، المعروف بـ«دير الرزيقات»، عن إغلاق أبوابه أمام الأقباط والزوار، طوال فترة الصوم الكبير. وقال الدير، فى بيان، إنه يعتذر عن عدم استقبال الزوار طوال أيام الأسبوع، خلال فترة الصوم الكبير، باستثناء الأحد، مع عدم وجود أى استثناءات.

وتغلق أديرة الراهبات أبوابها نهائيًا، خلال فترة الصوم الكبير، على أن تعاود فتحها بعد انتهاء احتفالات عيد القيامة المجيد، ومن أبرزها: القديس أبى سيفين للراهبات فى مصر القديمة، والأمير تادرس بحارة الروم، ومار جرجس بحارة زويلة، والأنبا بضابا للراهبات بنجع حمادى، حرصًا على توفير أجواء الخلوة الروحية طوال فترة الصوم.

 

آباء: تزامن الصوم مع رمضان فرصة لتأكيد الوحدة الوطنية

 

اعتبر آباء ومفكرون مسيحيون أن تزامن فترة الصوم الكبير مع صوم شهر رمضان يحمل دلالة بركة من الله، على ضوء مشاركة الجميع فى العبادة والصوم، داعين الله أن تكون أيام سلام ومحبة على مصر والعالم. وقال القس جورج سليمان، راعى كنيسة «العائلة المقدسة» فى المطرية، إن الكنيسة الكاثوليكية ستبدأ فترة الصوم الكبير، يوم الإثنين الموافق ٣ مارس المقبل، أى بعد الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع، لأن الكنيسة الكاثوليكية لا تصوم أسبوع الاستعداد مثل نظيرتها المصرية. وأضاف «سليمان»: «الصوم الكبير هذا العام يتزامن مع صوم شهر رمضان، لنتشارك كلنا فى الصوم والعبادة، كل فى محرابه»، داعيًا الله أن يجعل هذه الأيام المباركة أيام سلام ومحبة على مصر والعالم. ووصف الأب فيلبس عيسى، راعى الكنيسة السريانية فى مصر، تزامن الصوم الكبير مع شهر رمضان بأنه فرصة لتقرب الجميع من الله، والصلاة والدعاء ليحل بسلامه ورحمته على البشر جميعًا، وعلى أرض البركة مصرنا الحبيبة. وأضاف الأب فيلبس: «إنه ترتيب وإعداد رائع من الله، أن يتصادف شهر رمضان وعيد الفطر السعيد هذا العام مع الصوم الكبير وعيد القيامة المجيد، فى فرصة روحانية مهمة؛ لنرفع فيها أسمى الصلوات والأدعية والتمنيات إلى الرب الإله، لكى يبارك بلادنا وأرضنا ويعطينا الصالحات». وواصل: «ما يمر به شرقنا المتألم، الذى يشهد اليوم تغيرًا سريعًا فى معالمه التاريخية والسياسية والاجتماعية، يدعونا لأن نجدد الرجاء الحى فى قدرة الله الفائقة على كل تصورات البشر، وأن نكثف دعاءنا ونزيد صلواتنا المترافقة بأصوامنا؛ حتى يخفف الألم ويشفى كل وجع، ونتعافى من آثار الآلام فى نفوسنا». واختتم: «نحن أبناء الكنيسة المقدسة، مع إخوتنا المسلمين، منذ البداية وقبل كل شىء، نصلى جنبًا إلى جنب؛ لينعم الله على بلادنا العزيزة مصر بوافر البركة، وأن يبارك كل جهودنا المبذولة للنهوض بها، لكى نصل معًا إلى تحقيق الجمهورية الجديدة، ببركة الله ورعايته وحمايته، وكل صيام والجميع بألف خير».

ولم يختلف عنهما كريم كمال، الباحث القبطى، الذى رأى أن تلاقى الأصوام والأعياد المسيحية والإسلامية بمثابة فرصة لتعزيز التلاحم والترابط بين أبناء المصريين جميعًا.

وأضاف «كمال»: «فى الفترة المقبلة سترتفع الدعوات والصلوات من جميع أطياف الشعب المصرى إلى الله، وكلنا سنصلى من أجل مصرنا العزيزة ورئيسنا المحبوب الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يقود مصر بحكمة بالغة وسط ظروف عالمية وإقليمية صعبة للغاية». وواصل: «موعد شهر رمضان يتغير كل عام بمقدار ١١ يومًا، وآخر تزامن له مع الصوم الكبير كان فى أوائل التسعينيات، وأتذكر حين كنا أطفالًا، كان المسيحيون فى مصر يحرصون على الصوم مثل المسلمين طوال اليوم، ثم كنا نفطر جميعًا معًا على صوت مدفع الإفطار، على الأكلات الصيامى، وهذا ما يميز مصر عن جميع بلاد العالم».

 

كنيسة القيامة فى القدس: جاهزون لاستقبال الحجاج

 

دعا قادة الطوائف المسيحية مسيحيى العالم إلى الحج المقدس، وزيارة مدينة القدس الشريف، خلال فترة «أسبوع الآلام»، وبالتزامن مع فترة الصوم الكبير.

وقال أديب جودة الحسينى، أمين عام كنيسة «القيامة» فى القدس، إن الكنيسة على أتم الاستعداد لاستقبال الحجاج فى الأراضى المقدسة، مؤكدًا أن الأوضاع فيها هادئة خلال الفترة الحالية.

وأضاف «الحسينى»، لـ«الدستور»، أن بطريرك اللاتين، الكاردينال بيير باتيستا بيتسابالا، وحارس الأراضى المقدسة، الأب فرانشيسكو باتون، ناشدا العالم، من باحة كنيسة القيامة، بشد الرحال إلى الأراضى المقدسة، فى موسم الحج لهذا العام.

وقال الراهب ثاؤفيلس الأورشليمى، سكرتير بطريركية الأقباط الأرثوذكس فى القدس المسئول الإعلامى فى الإيبارشية: «لا يوجد منع من الكنيسة للأقباط، سواء فى القدس أو مصر، عن أداء الحج، خلال فترة أسبوع الآلام». وأضاف سكرتير البطريركية فى القدس: «عدم إقبال الأقباط على الزيارة يأتى بسبب وجود مخاوف لديهم من الأحداث الجارية فى القدس، والدليل على ذلك أن بعض أقباط المهجر يزورون القدس خلال فترات الأعياد بدون قيود».

وواصل لـ«الدستور»: «يظن البعض أن مناطق الحج المسيحى تشبه غزة حاليًا، لكن تلك الأماكن آمنة، والأوضاع بها مستقرة، رغم تأثر رحلات حج الأقباط هذا العام بأوضاع الحرب فى فلسطين، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الرحلة».

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.