رأى سياسيون وخبراء سوريون أن هجوم الجماعات والميليشيات المسلحة والمتطرفة الحالى على مدن وقرى حلب وإدلب، تم التخطيط له منذ فترة طويلة من قبل داعمى تلك الجماعات من الأطراف الدولية المعادية؛ بهدف إعادة فرض سيناريو التقسيم من جديد بشكل أكبر وأوسع. كما رأوا أن محاولة الجماعات المسلحة احتلال حلب وباقى المناطق السورية، أمر يستهدف عزل سوريا وتغيير سياستها الاستراتيجية تجاه محيطها الإقليمى، خاصة فى ظل ما تتعرض له غزة من عدوان إسرائيلى، وما تعرضت له لبنان، كذلك، من عدوان غاشم قبل وقف إطلاق النار قبل أيام.
زاهر اليوسفى: إسرائيل متورطة.. وهدفها الضغط على دمشق لوقف دعم «المقاومة»
قال الدكتور زاهر اليوسفى، السياسى السورى النائب السابق بمجلس الشعب، إن الهجوم على مدينة حلب ليس حدثًا عابرًا أو مفاجئًا، بل هو أمر مبيت ومخطط له منذ وقت طويل.
وأوضح أن تركيا تعتبر حلب جزءًا مما يُسمى «السلطنة العثمانية»، وهو ما أكده الرئيس التركى فى مناسبات عدة، ما يشير إلى وجود دوافع استراتيجية وراء التحركات التركية فى المنطقة.
وقال إن جميع الأطراف التى شاركت فى الهجوم على حلب تتحرك بناءً على أوامر من تركيا، التى توفر لها الدعم المالى والعسكرى واللوجستى، بجانب الاحتلال الإسرائيلى الذى يرى فى استمرار الموقف السورى الثابت فى دعم محور المقاومة تهديدًا لمصالحه، مشيرًا إلى أن إسرائيل تسعى للضغط على سوريا باستخدام أدواتها للزج بها فى مسار التطبيع.
وحول ما يقال عن وجود توافقات دولية خلف الهجوم، اعتبر أن هناك اتفاقًا دوليًا قد تم على أعلى المستويات، ما يفسر التصعيد فى المنطقة فى الآونة الأخيرة. ومع ذلك، أكد أن الدولة السورية مصممة على استعادة كامل أراضيها، ولن تتراجع عن هدفها فى تحرير كل شبر من الأراضى السورية، وهو ما سيتحقق فى القريب العاجل.
وفيما يتعلق بالموقف الدولى، أشار إلى أن روسيا تدعم سوريا من خلال مصالحها الاستراتيجية فى المنطقة وعلاقاتها مع القوى الكبرى، مشيرًا إلى أن روسيا لم تتوان فى دعم سوريا فى حربها ضد الإرهاب، وهو الدعم الذى شمل جوانب عسكرية ولوجستية، مشيدًا بدعم إيران سوريا أيضًا، لافتًا إلى أن المعادلة فى المنطقة شهدت تغيرات مهمة، وأن الأيام المقبلة ستكشف عن تطورات جديدة فى هذا الصدد.
وفى ختام تصريحاته، شدد على أن سوريا ستظل ثابتة فى مواقفها ولن تسمح لأى جهة بتغيير مسارها الوطنى، لافتًا إلى أن ما يجرى فى حلب وباقى المناطق السورية ليس سوى جزء من مخطط أوسع يستهدف عزل سوريا عن محيطها المقاوم، وتغيير سياستها الاستراتيجية.
محمود الأفندى: انسحاب القوات الحكومية قد يكون تكتيكيًا
رأى الدكتور محمود الأفندى، الأمين العام لحركة الدبلوماسية الشعبية السورية، أن الهجوم على مدينة حلب، ليس محض صدفة، بل يحمل دلالة واضحة على وجود ارتباط بين وقف إطلاق النار فى لبنان وبدء الهجوم على حلب.
وبيَّن أن التحركات العسكرية على الأرض كانت متوقعة منذ حوالى شهرين، وأن الهجوم كان مسألة وقت فقط، مرجحًا أن التحرك العسكرى الذى شهدته حلب جاء بقرار تركى، وهو أمر أصبح واضحًا بالنظر إلى الدور الذى تلعبه تركيا فى دعم الفصائل المسلحة فى الشمال السورى، حيث توجد قواعدها العسكرية.
وحول تعامل الحكومة السورية مع الهجوم، قال إن هناك انسحابًا غير عادى للقوات السورية من المدينة، موضحًا: «عند بداية الهجوم، كانت هناك مقاومة ضعيفة فى ريف حلب الغربى، إلا أن الانسحاب الكامل من المدينة كان مثيرًا للدهشة. جميع المؤسسات السورية، من الشرطة إلى فروع المخابرات حتى نقاط حزب الله، تم إخلاؤها».
ووصف الانسحاب بأنه ملفت للنظر، واعتبره بمثابة تسليم كامل للمدينة إلى الفصائل المسلحة التى دخلت حلب دون أى مقاومة فعلية، مواصلًا: «حتى الأوراق الرسمية تم التخلص منها، وبدت المدينة خالية تمامًا من أى وجود حكومى، وهذا التصرف غير مسبوق، ويثير الكثير من التساؤلات حول الخطط والتكتيكات التى تبنتها الحكومة السورية».
وفيما يتعلق بالهدف من هذا الانسحاب، أشار إلى أنه يمكن أن يكون انسحابًا تكتيكيًا فى إطار خطة أوسع، مؤكدًا أن الموقف السورى، سواء على المستوى العسكرى أو السياسى، لا يزال غامضًا.
وقال: «يمكن أن يكون هذا الانسحاب تمهيدًا لعملية معاكسة تهدف إلى استعادة المدينة، بدعم من القوات الروسية والجيش السورى»، مؤكدًا أن هذا السيناريو هو الأكثر منطقية. إذ إنه لا يمكن أن يتم تسليم حلب بهذه السهولة دون أى مقاومة أو طلقة نارية، لذلك من المتوقع أن تكون هناك عمليات عسكرية لاستعادة المدينة فى الأيام المقبلة.
وأضاف أن التطورات فى الساعات المقبلة ستكون حاسمة، خاصة مع غياب التصريحات من القيادة السورية، وكذلك من الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، والرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، ما يفتح الباب لتأويلات متعددة حول الأهداف الحقيقية لهذا التحرك.
وقال إنه يجب الانتظار لعدة أيام لمتابعة ردود الأفعال السياسية والعسكرية من القوى المعنية، مضيفًا: «حتى الآن، لم يخرج أى تصريح رسمى من الرئيس الأسد، ولا من الرئيس بوتين أو الرئيس أردوغان. هكذا تصرفات تحتاج إلى وقت لفهم أبعادها الحقيقية».
وذكر أن القوات الروسية لا تزال تنفذ غارات جوية مستمرة، مشيرًا إلى أن يوم الجمعة الماضى شهد قصفًا جويًا مكثفًا على غرب حلب وعلى مشارف المدينة الغربية، ما أدى إلى خسائر كبيرة فى صفوف الفصائل المقاتلة.
وقال إن الغارات الجوية الروسية تركز على ضرب الفصائل المسلحة دون الاقتراب من المناطق المدنية، إذ إن الروس يسعون لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين قدر المستطاع.
وأضاف أن روسيا لا تتعامل مع تنظيمات إرهابية، خصوصًا مع هيئة تحرير الشام التى تصنفها موسكو كتنظيم إرهابى، ويبدو أنها تستهدف المسلحين خارج المدينة وتعمل على تجنب المواجهة المباشرة داخل حلب، ما يعكس حسابات دقيقة فى التعامل مع الوضع العسكرى. وأشار إلى أن الوضع فى حلب ليس مجرد مسألة عسكرية، بل يتعداها إلى أبعاد جيواستراتيجية، متحدثًا عن لعبة سياسية معقدة تدور بين القوى الدولية والإقليمية. وقال: «هناك مصالح متشابكة فى المنطقة، بما فى ذلك المصلحة التركية، ورغم العلاقة المتقاربة بين روسيا وتركيا، فإن هناك انقسامًا واضحًا فى التعامل مع الفصائل المسلحة ومواقف الأطراف الأخرى».
نازح: الأهالى يحتمون بالبيوت
أكد سامر المسلمانى، مواطن لبنانى نازح فى مدينة حلب السورية، أن الأوضاع الحالية داخل المدينة غير مستقرة، عقب اقتحام العناصر المسلحة المدينة.
وقال «المسلمانى»، لـ«الدستور»، إن لا أحد يعلم كيف سيطر هؤلاء المسلحون على مدينة بحجم حلب بهذه البساطة، مشيرًا إلى أن المدينة الآن تحت سيطرة هؤلاء الإرهابيين، والأهالى داخل بيوتهم ولم يتمكن أحد من الخروج.