غداة إطاحة الجيش بالرئيس السوداني عمر البشير، بقي المتظاهرون في الشارع الجمعة محتجين هذه المرة على حكم العسكر، الذين وعدوا في محاولة واضحة لطمأنتهم، بأن الحكومة المقبلة "ستكون مدنية".
من جهة أخرى، أكد المجلس العسكري أنه لن يسلم الرئيس عمر البشير المطلوب بمذكرتي توقيف من المحكمة الجنائية الدولية "الى الخارج"، مشيرا الى أن البشير لا يزال محتجزا من دون ان يحدد مكانه.
وقرب مقر القيادة العامة للجيش في وسط العاصمة، لا يزال آلاف السودانيين متجمعين، يهتفون يغنون ويرقصون ويتبادلون القهوة، مصرين على مواصلة احتجاجهم. وكانوا رفضوا الخروج من الشارع متحدين قرار حظر التجول الذي طبق ليلا.
وأعلن الجمعة رئيس اللجنة العسكرية والسياسية في المجلس العسكري الذي أعلن تولي الحكم بعد الإطاحة بالرئيس البشير، أن الحكومة المقبلة ستكون "حكومة مدنية".
وقال الفريق أول ركن عمر زين العابدين في مؤتمر صحافي عقده في الخرطوم إن "الحكومة ستكون حكومة مدنية، ونحن لن نتدخل فيها، سنبقى بعيدين".
وأضاف أن المجلس لن يطرح أسماء لعضوية الحكومة، مضيفا أن "وزير الدفاع سيكون من القوات المسلحة، وسنشارك في تعيين وزير الداخلية".
وأكد زين العابدين العزم على "إجراء حوار مع كل الكيانات السياسية (...) لتهيئة المناخ للتبادل".
-"الأولوية للأمن" -
وردا على سؤال حول مصير حزب المؤتمر الوطني الذي يرأسه البشير، قال "لن نقصي أحدا ما دام يمارس ممارسة راشدة".
وكان رئيس المجلس العسكري الانتقالي عوض بن عوف الذي كان وزير دفاع في ظل حكم البشير، أعلن الخميس الإطاحة بالرئيس واحتجازه "في مكان آمن" وتولّي "مجلس عسكري انتقالي" السُلطة لمدّة عامين، بعد أربعة أشهر من احتجاجات غير مسبوقة ضدّ النظام.
وأكد زين العابدين من جهة أخرى أن المجلس لن يسمح بأي "عبث بالأمن"، مضيفا "الأولوية هي للأمن والاستقرار"، ومهمة المجلس "تقضي بحسم للفوضى".
وردا على سؤال عن حركة الاحتجاج، قال "سنجلس مع المحتجين ونستمع إليهم"، مضيفا "نحن جزء من مطالب الناس".
وفي ساحة الاعتصام المستمر منذ سبعة أيام، قال السوداني أبو عبيدة لوكالة فرانس برس "هذا مكاننا، ولن نتخلى عنه الى ان يتحقق النصر". وأضاف "لقد خرقنا حظر التجوال، وسنواصل القيام بذلك حتى تتشكل حكومة انتقالية".
من حوله، كان يستمر توافد آلاف المتظاهرين. وكان بعضهم يشرب القهوة، او يحضر الشاي. بينما كان آخرون يتصفحون القرآن تحت شمس حارقة.
وكان في الإمكان مشاهدة جنود بين الحشد.
وحثت دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الخميس، العسكريين على إشراك المدنيين في العملية الانتقالية.
ولدى الإعلان الخميس عن الإطاحة بالبشير، نزل المواطنون بالآلاف في الشوارع تعبيرا عن فرحتهم، وقام بعضهم بتقبيل جنود ورقصوا على الدبابات.
لكن الحماسة تراجعت سريعا، وانطلقت دعوات لمواصلة الاعتصام لدى الإدراك أن الحكم بات بين أيدي عسكريين هم أنفسهم كانوا من أركان نظام البشير.
ويعقد مجلس الأمن الدولي الجمعة اجتماعا طارئا حول السودان، بناء على دعوة ست عواصم بينها واشنطن وباريس ولندن.
ودعت الولايات المتّحدة الخميس الجيش السوداني الى تشكيل حكومة "جامعة" تضمّ مدنيين.
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت بالادينو إنّ "الولايات المتحدة تُواصل دعوة السلطات الانتقالية إلى ضبط النفس وإفساح المجال أمام مشاركة مدنيين في الحكومة".
ودعت وزيرة خارجية الاتّحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الجيش السوداني إلى نقل السلطة "سريعاً" إلى المدنيين، منوّهةً برغبة الشعب السوداني في التغيير.
وعبرت جامعة الدول العربية في بيان الجمعة "عن أملها في أن يتوافق أهل السودان على ما فيه مصلحة البلاد"، داعية الى "تحلّي الجميع بالحكمة المطلوبة في هذا الظرف الدقيق مع التمسك بالحوار السياسي لتحقيق تطلعات الشعب السوداني".
- مصير البشير -
وأعلن المجلس العسكري الانتقالي أنه لن يسلم عمر البشير "الى الخارج".
وقال زين العابدين ردا على سؤال، "نحن كمجلس عسكري لن نسلّم الرئيس في فترتنا الى الخارج"، مضيفا "نحن عساكر، نحاكمه بحسب قيمنا". وتابع "نحن نحاكمه، لكن لا نسلمه".
وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت عام 2009 مذكرة توقيف في حق الرئيس عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور في غرب السودان، ثم أضافت في 2010، تهمة "عمليات إبادة"، وأصدرت مذكرة توقيف أخرى.
وطالبت منظمة العفو الدولية "السلطات السودانية بتسليم عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية"، معتبرة أنه ملاحق بتهم ارتكاب "بعضٍ من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان في عصرنا".