
في حادث غامض، عُثر على المدير التنفيذي لمشروع سد النهضة الإثيوبي، المهندس سيمانيو بيكيلي، مقتولاً داخل سيارته في ميدان مسكال وسط العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا.
«بيكيلي» أو ما يطلق عليه الإثيوبيين والمختصين في ملف مياه النيل «أيقونة السدود الإثيوبية»، لم يكن سد النهضة هو أول مشروع يرأسه بل كان رئيسا لمشروع سد «تيكيزي» على بحيرة تانا، وسدي «جليبل 1 و2»، كان قد ولد في مدينة جوندر، شمال شرق إثيوبيا عام 1965.
لم يظهر «بيكيلي» في الإعلام المحلي والدولي إلا بعد توليه إدارة مشروع سد النهضة والذي ظهر أمام الكاميرات في صحبة رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ميليس زيناوي، في أبريل 2011 عند وضع حجر أساس مشروع السد؛ ليأخذ الرجل بعدها شعبية كبيرة بين الإثيوبيين الذي يرون في سد النهضة مشروعهم القومي للتنمية.
• «الشروق» في صحبة «بيكيلي» في موقع سد النهضة:
في 30 يوليو 2016، كانت رحلة «الشروق» إلى موقع سد النهضة في بني شنغول، برفقة وفد من الإعلاميين بمصر والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا، وهي المرة الأولى التي توافق الحكومة الإثيوبية وإدارة المشروع لتنظيم زيارة إعلامية بهذا الحجم.
في موقع السد، التقت «الشروق» المهندس سيمانيو بيكيلي، مدير مشروع سد النهضة الإثيوبي، بعد ساعات من رحلة طويلة وسط الغابات والهضاب الإثيوبية، تبادلنا فيها مع صحفيين إثيوبيين الحديث عن المشروع، وعن هذا الرجل الذي يديره، والذي يعتبره الإثيوبيين «بطل إثيوبي يقود جزء من النهضة والتنمية»؛ على حد وصف صحفي إثيوبي.
محررة الشروق مع مدير مشروع سد النهضة - داخل موقع السد يوليو 2016
فرغم ما كان لدينا من تصورات عن تعقيدات أمنية وإرشادات بعدم التصوير داخل موقع السد، وأن الأسئلة أو ما سيتم إتاحته من معلومات سيكون محدودا في إطار ما تريد الإدارة الإثيوبية إعلانه عن السد والترويج له ونفي آثاره السلبية، كان اللقاء مع «بيكلي» مختلفا بعيدا عن كافة التوقعات لدينا قبل أن نصل إلى موقع السد.
بابتسامة وترحاب شديد استقبلنا المهندس «سيمانيو»، وكانت أولى عباراته الترحبية: «سد النهضة أمامكم كل ما تريدون الإطلاع عليه متاحا.. وكل شيئ يمكن تصويره»، عارضا برنامجه لاصطحابنا إلى كافة النقاط الإنشائية داخل الموقع الذي امتد لأكثر من 8 ساعات لم يكل أو يرفض خلالهم الرد على أي تساؤل او استفسار. دون أن يكتفي بالعبارات الدبلوماسية التي تنفي تسبب السد في ضرر لمصر أو السودان، لكنه كان يتدفق في شرحه للمسائل الفنية والهندسية الخاصة بكل مرحلة من الإنشاءات في جسم السد، ولم يكتف بأن يعرض جزء من الأعمال الإنشائية، لكن الزيارة اشتملت أكثر من 6 مواقع لرصد كافة الأعمال في جسم السد، قائلاً: «مجبورون من الله وبالطبيعة لأن تتدفق المياه إلى مصر، لا يمكننا قطع المياه فهو عمل حرام».
لم تكن صحبة «بيكلي» لنا في موقع السد داخل إطار العمل فقط، لكن بعد الانتهاء من رصد كافة الأعمال الإنشائية في جسم السد اصطحبنا إلى مطعم وأماكن سكن العمال والمهندسين العاملين في السد، وسمح لنا بالحديث معهم دون أي قيود، فقضينا الوقت حتى ساعات متأخرة من الليل في مناطق الإعاشة الملحقة بجسم السد تحدثنا فيها مع العاملين عن حياتهم وعملهم في مشروع سد النهضة الذي يعتبره الشعب الإثيوبي سبيل النهضة لبلادهم، بل وأنه المشروع الذي التفت حوله جميع القوميات المتنافرة في البلاد لدعمه.
حتى صباح اليوم التالي من مبيتنا في موقع السد، كان المهندس «بيكلي» في ساعة مبكرة بالصباح بانتظارنا في مطعم ملحق بالسد، تم إنشاءه لخدمة المهندسين والعاملين الإيطاليين والفرنسيين، ولم يكل الرجل من أسئلتنا التي لم تنته عن كافة التفاصيل الفنية سواء إنشاءات السد وتخزين المياه وآليات التخزين، حتى أعطانا حجراً من موقع السد، مطالباً بأن يكون «ذكرى» دائمة معنا تذكرنا به وبهذا المشروع الذي يرى فيه الشعب الإثيوبي نهضة بلاده.
ورغم تحرك الوفد الإعلامي وكافة السيارات التي كانت في انتظارنا لمطار أسوسا، الذي يبعد قرابة 150 كيلو عن موقع السد، لم أكن قد انتهيت من أسئلتي برفقه زملاء صحفيين من مصر، انتظر معنا المهندس سيمانيو حتى انتهينا من جميع أسئلتنا واستفساراتنا وقمنا بتصوير ما نريد داخل الموقع، وعندما اكتشفنا أن جميع السيارات قد رحلت طلب من سائقه الشخصي الذهاب معنا بسيارته الشخصية دون أن يتردد، قائلاً: «لا أريد أن ترحلوا بأي ذكرى سيئة»، مؤكداً أن موقع السد متاح لنا في أي وقت أردنا العودة للتغطية الصحفية مرة أخرى.
محررة الشروق مع مدير مشروع سد النهضة خلال احتفالات يوم النيل فبراير 2018 - العاصمة الإثيوبية أديس أبابا
وكانت أبرز تصريحات المهندس بيكلي لـ«الشروق» خلال الزيارة:
- «المهندس لديه حل لكل شيئ.. نبني السد بطريقة تجعلنا مطمئنين تماماً بكفاءته»؛ رداً على تساؤل حول عوامل الأمان في السد وما إذا كان هناك أي تخوفات من انهيار أو تصدع في جسم السد.
- «مجبورون من الله والطبيعة بأن تتدفق المياه إلى مصر والسودان ولن نستطيع أن نوقفها».
- «إثيوبيا تعتبر نفسها الآن هي منبع الطاقة للمنطقة والقارة من خلال ما تمتلكه من الموارد الطبيعية من المياه والرياح والشمس، والطاقة هي العمود الفقري لأي تنمية مستدامة في الدولة، لذلك هناك تعهدات تنموية وعلمية منظمة لتطوير هذا القطاع».
- «ما نقوله عن عدم الضرر ليس فقط في الخطب السياسية ولكنها دراسات وحقائق على الأرض، إثيوبيا تعهدت بنفسها باستغلال مواردها المائية بطريقة تنفع وتفيد الجميع، نحن نفكر فيما وراء الأفق».
- «نعمل هنا في موقع السد خلال الـ24 ساعة يومياً، و7 أيام في الأسبوع، و30 يوماً في الشهر دون توقف».
- «ببناء سد النهضة، أتعهد بأن يكون لمحاربة عدونا المشترك وهو الفقر. فنحن زودنا أنفسنا بأدوات لتحقيق التنمية».
• آخر شرح جماهري قدمه «بيكيل» لسد النهضة:
لم يكن لقاء «الشروق» مع «بيكيلي» في موقع سد النهضة هو الأخير، لكن التقيناه مرة أخرى في فبراير 2018 خلال احتفالات يوم النيل بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، وأكد خلالها أن الإنشاءات في موقع السد مستمرة ولم تتوقف على خلفية التوتر والأحداث السياسية التي كانت تمر بها إثيوبيا في تلك الفترة بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد واستقاله رئيس الوزراء هيلاماريم ديسالين.
وقال «سيمانيو» لـ«الشروق» وقتها: «أنا مهندس في موقع السد لا أعلم شيئ عن السياسة، وما أنفذه هو حلم المواطن الإثيوبي الذي لم ولن يتغير».