
حذر ثائر أبو عطيوي، مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات في فلسطين وعضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين، من خطورة المخطط الاستيطاني الجديد الذي صادقت عليه حكومة الاحتلال الإسرائيلي، والقاضي بالاستيلاء على 35.31 دونمًا من أراضي قرية كفر قدوم شرق قلقيلية بالضفة الغربية، لافتًا إلى أن تلك الخطوة تأتي في إطار سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى ضم الضفة الغربية بالكامل وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.
وتناول "أبو عطيوي"، في حواره مع "الدستور"، أبعاد المخطط الجديد، ومخاطر التوسع الاستيطاني، والموقف الدولي من هذه السياسات، وآليات المواجهة الفلسطينية المطلوبة في المرحلة المقبلة.
كيف تقيم المصادقة الإسرائيلية الأخيرة على المخطط الاستيطاني في كفر قدوم شرق قلقيلية؟
صادقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، على مخطط استيطاني جديد يقضي بالاستيلاء على 35.31 دونمًا من أراضي قرية كفر قدوم شرق قلقيلية بالضفة الغربية، في الحوض رقم "10" بمنطقة "واد بروص" شمالي القرية، لبناء 58 وحدة استيطانية لصالح مستوطنة "متسبي يشاي"، المقامة أصلًا على أراضي القرية.
إن المصادقة على المخطط نشرت عبر الإعلام العبري، ووفق ما أفاد مسئول ملف الاستيطان في محافظة قلقيلية، "منيف نزال"، فإن هذه الخطوة تأتي ضمن سياسة الاحتلال الرامية إلى توسيع المستوطنات وربطها ببعضها على حساب أراضي الفلسطينيين وحقوقهم.
وتعتبر محافظة قلقيلية من أكثر المناطق استهدافًا بالمخططات الاستيطانية، بسبب موقعها الجغرافي المحاذي للخط الأخضر وخصوبة أراضيها الزراعية، ووفق تقرير "أوتشا" "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية" الصادر في مايو 2025، فإن الضفة الغربية تضم 849 عائق حركة أمام الفلسطينيين، بينها 39 عائقًا في محافظة قلقيلية وحدها تشمل حواجز عسكرية ونقاط تفتيش وبوابات وإغلاقات ترابية. كما أن الجدار العازل بطول نحو 712 كيلومترًا يعدّ أكبر عائق منفرد أمام حركة الفلسطينيين في الضفة.
ويؤكد أهالي محافظة قلقيلية أن مدينتهم باتت محاصرة بشكل شبه كامل بالجدار من ثلاث جهات، ولم يُبق الاحتلال سوى مدخل وحيد خاضع لسيطرته، ما جعلها أشبه بـ"سجن مفتوح".
هل يمكن أن نضع هذه المصادقة في سياق سياسة إسرائيلية أوسع؟
تظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2015 أن المحافظة كانت تضم آنذاك 6 مستوطنات حضرية إسرائيلية، غير أن هذه القراءة لم تعد تعكس الواقع القائم اليوم، حيث تزايد عدد المستوطنات والبؤر الاستعمارية في قلقيلية بشكل كبير خلال العقد الأخير، وفق تقارير أممية وحقوقية.
وتعد مستوطنتا "ألفيه منشيه" و"كرني شومرون" من أكبر الكتل الاستيطانية المقامة على أراضي محافظة قلقيلية وقراها، إلى جانب مستوطنات أصغر مثل "متسبي يشاي"، فضلًا عن بؤر استيطانية عشوائية تنتشر على مساحات زراعية مصادرة.
ويمتد عبر قلقيلية شبكة طرق التفافية تربط المستوطنات ببعضها وتعزز عزل القرى الفلسطينية وتمنع توسعها العمراني، فيما تحول مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة إلى مناطق مغلقة أو لصالح التوسع الاستيطاني.
وتأتي المصادقة الأخيرة ليست كقرار معزول، بل في إطار استراتيجية إسرائيلية أشمل تهدف إلى ترسيخ الوجود الاستيطاني شرق قلقيلية وربط الكتل الاستعمارية ببعضها، بما يحول القرى الفلسطينية إلى جيوب معزولة محاطة بالمستوطنات والجدار والحواجز، وهو ما يقوّض أي إمكانية للتوسع الفلسطيني أو التنمية المستقبلية.
ما تقييمك القانوني والدولي لهذه الخطوات الإسرائيلية؟
مصادقة حكومة الاحتلال الإسرائيلي على بناء المستوطنات في الضفة الغربية والتوسع الاستعماري في القدس الشرقية يأتي كله في إطار خرق وانتهاك فاضح وواضح للقانون الدولي، الذي يدين كافة أشكال التوسع الاستيطاني والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
الأمر يتطلب تدخلًا دوليًا عاجلًا وسريعًا من أجل حماية الأراضي الفلسطينية من الاستيلاء عليها للتوسع الاستعماري، وهذا يمكن إنجازه من خلال مؤتمر عالمي يناهض فكرة التوسع الاستيطاني ويضع مدخلات ومخرجات مناصرة للشعب الفلسطيني وضد الاستيطان، إلى جانب حلول علاجية تضمن التفاعل الإيجابي، منها الضغط على الاحتلال سياسيًا ومقاطعته دبلوماسيًا واقتصاديًا.
فكافة التوسعات الاستيطانية تأتي على حساب أراضي الفلسطينيين بالضفة الغربية وتصادر أراضيهم بالقوة، وهو الأمر المخالف للقوانين الدولية ولاتفاقية جنيف المتعلقة بالأراضي المحتلة.
وماذا عن دور المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة هذه الانتهاكات؟
يقع على عاتق المحكمة الجنائية الدولية الكثير تجاه تصعيد الاحتلال الإسرائيلي وقراراته التعسفية المتعلقة بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات.
المطلوب من المحكمة مشاركة كل الدول الأعضاء، وكذلك المجتمع الدولي في إيجاد قرارات وحلول جوهرية لمواجهة التوسع الاستيطاني والعمل على إيقافه، ضمن قرارات تفاعلية مع الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل المؤسسات الدولية والحقوقية والإنسانية المعنية بالدفاع عن الاضطهاد وتحقيق العدالة الإنسانية.
أمين سر حركة فتح بهولندا: موافقة حماس على خطة ترامب أطاحت بمخططات نتنياهو (خاص)
ومن الممكن أن تصدر المحكمة قرارات إدانة للاحتلال الإسرائيلي على توسعاته الاستيطانية غير القانونية، وذلك من خلال إصدار قرارات شجب وإدانة ترافقها قرارات تتعلق باعتقال المسئولين الإسرائيليين الذين يقفون وراء المخططات الاستعمارية الاستيطانية، ما يشكل أداة ردع تضمن نوعًا ما توقف الاستيطان وعدم الاستيلاء مجددًا على أراضي المواطنين بالضفة الغربية.
إلى أي مدى يعكس التوسع الاستيطاني رؤية إسرائيل الاستراتيجية؟
التوسع الاستيطاني يعكس الرؤية الإسرائيلية والتخطيط الاستراتيجي الممنهج للاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الضفة الغربية وتحويلها إلى بؤر استيطانية لصالح المشروع الاستعماري الإسرائيلي.
وهذا واضح من خلال إقرار الكنيست الإسرائيلي وحكومة الاحتلال ضم الضفة الغربية بالكامل وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، ما يعني أن إسرائيل تسعى جاهدة إلى فرض واقع استعماري جديد في حال التوصل لتسوية سلمية عبر المفاوضات، لكسب مزيد من الأراضي الفلسطينية واعتبارها "أراضي إسرائيلية لا يجوز التفاوض عليها".
وإلى أي مدى يتأثر هذا المشروع بالأيديولوجيا اليمينية في إسرائيل؟
منذ تأسيسها، قامت دولة الاحتلال على فكرة الاستيطان والتوسع الاستعماري بالأساس، إذ يقوم الفكر الصهيوني على إنكار وجود الشعب الفلسطيني، ويعتبر الفلسطينيين "شعبًا بلا أرض".
التوسع الاستيطاني مرتبط بالتناحرات الأيديولوجية والسياسية الإسرائيلية، خصوصًا اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي لا يعترف بأي حقوق إنسانية أو سياسية للشعب الفلسطيني ويعتبر أن "إسرائيل الكبرى" تمتد من النهر إلى البحر.
وأي حكومة إسرائيلية تحتاج لكسب اليمين المتطرف إلى جانبها، لأنه المتحكم والمتنفذ في كل مفاصل الحياة السياسية في إسرائيل، وصاحب القرار الأول والأخير، وهو ما يمكن تسميته بـ"الدولة العميقة" التي ترسم السياسات والاستراتيجيات لأي حكومة تصل لسدة الحكم.
كيف تقيم الموقف الأمريكي والأوروبي من هذا التوسع؟
التوسع الاستعماري والتوغل الاستيطاني الإسرائيلي يأتيان جميعًا في سياق الموافقة الأمريكية الداعمة للمخططات الاستيطانية، ولهذا لا تأثير سلبيًا يذكر على العلاقة الأمريكية الإسرائيلية بسبب الاستمرار في الاستيطان.
أما موقف الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي فهو مختلف تمامًا، إذ تتخذ أوروبا مواقف متقدمة في مناهضة الاستيطان عبر قرارات وتصريحات الشجب والتنديد والاستنكار، وصولًا إلى رفضها استمرار الاحتلال الإسرائيلي بشكل عام ومطالبتها بتنفيذ فكرة حل الدولتين وفق مشروع سلام شامل وعادل يضمن حق الشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة دولته المستقلة.
ما انعكاسات استمرار الاستيطان على فرص السلام والمفاوضات المستقبلية؟
من الطبيعي جدًا أن يؤدي استمرار الاستيطان إلى تقليص فرص الوصول لحلول تفاوضية سلمية مستقبلية، لأن الموقف الإسرائيلي لا يعترف بإقامة الدولة الفلسطينية ولا بفكرة حل الدولتين، وهذا واضح ضمن رؤية رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يقتنع فقط بفكرة "السلام الاقتصادي" مع الفلسطينيين.
وفي حال استمرار التوسع الاستيطاني، لن تقبل إسرائيل مستقبلًا بالتفاوض على أي أرض فلسطينية أقيمت عليها مستوطنات؛ لأنها تعتبرها أراضي ذات سيادة إسرائيلية، وهو ما يجعل الاستيطان العدو الأكبر لأي تسوية سلمية أو تفاوضية.
ما المطلوب فلسطينيًا لمواجهة هذه السياسة الاستيطانية؟
متطلبات مواجهة الاستيطان على المستوى الفلسطيني الرسمي تتطلب أولًا إنهاء الانقسام السياسي واستعادة الوحدة الوطنية وتوحيد الموقف الوطني الفلسطيني.
كما يجب بناء نظام سياسي فلسطيني جديد يقوم على استنهاض الواقع السياسي برمته لمواجهة مخططات الاحتلال وقراراته التعسفية، ثم إشراك الدول العربية عبر جامعة الدول العربية لضمان التواصل والتنسيق العربي الموحد مع الرؤية الفلسطينية.
إلى جانب ذلك، ينبغي فتح آفاق عربية وعالمية دبلوماسية في كل المحافل الدولية لمناهضة الاستيطان بشكل مبدئي وصولًا للمطالبة بتحقيق حل الدولتين، وذلك عبر مشاريع فلسطينية عربية عالمية مشتركة داعمة لعدالة القضية الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة