فى عشرات السنين الأخيرة من القرن العشرين ثار جدل حول انتشار النشاط الأصولى فى شأن العلاقة بين حقوق الدولة وحقوق الآباء، وحول العلاقة بين الدولة والكنيسة. وقد انعكس تأثير هذا الجدل على التعليم الحكومى والتعليم الخاص. وفى سياق معارك التغير الاجتماعى كانت المدارس الحكومية فى بؤرة الصراع السياسى والأيديولوجى والدينى بالرغم من أن رسالتها تستلزم البعد عن السياسة إلا أنه لم يكن فى إمكانها الالتزام بذلك.
وحتى السبعينيات من القرن العشرين لم تكن وجهة النظر الأصولية موضع اهتمام من التربويين. ولكن فى العشرين سنة من نهاية ذلك القرن تُرك الأصوليون فى أمريكا لإحداث تأثيرهم على التعليم سواء كان دينياً أو علمانياً وذلك بإدخال تدريس نظرية الخلق الإلهى للإنسان بجوار تدريس نظرية التطور التى تدور حول الخلق الطبيعى للإنسان، ومنع تدريس مادة التربية الجنسية، والتركيز على التراث الثقافى الأمريكى، ومع رفض إثارة أى قضايا خلافية. وكانت الكنيسة البروتستانتية قد استسلمت للتيار العلمانى الذى غزا التعليم العام. إلا أن الأصوليين لم يستسلموا، إذ بدأوا فى تأسيس مدارس للمرحلتين الابتدائية والثانوية واسموها «مدارس مسيحية» فى مواجهة المدارس المسيحية الأخرى المؤسسة من قِبل الكاثوليك واللوثريين والمشيخيين. واللافت للانتباه هنا أن لفظ «مسيحية» هو اللفظ المميز للأصوليين، ويقصدون به أنهم وحدهم الفرقة الناجية وغيرهم ليس كذلك. ومع ذلك فإنهم يؤدون دوراً ملحوظاً مع الجناح اليمينى الجديد من أجل التحكم فى مسار التعليم، بل فى مسار المجتمع.
والجدير بالتنويه هنا أن حركة المدرسة المسيحية بها مليون طالب، ولها عشرة آلاف مدرسة، وتمثل 20% من مجموع المدارس الخاصة و2% من مجموع المدارس الحكومية. إلا أن هذه المدارس تواجه تحدياً صارخاً من «العلمانية الإنسانية» المتحكمة فى الحياة الأمريكية بوجه عام، وفى المدارس الحكومية بوجه خاص. وهذا التحدى مردود لرفض حركة المدرسة المسيحية لهذه العلمانية، إذ إنها، فى رأيها، وإن كانت تعظم من شأن الإنسان، ترتكب إثماً عظيماً فى الترويج للحرية والمساواة بين الرجال والنساء ومشروعية الإجهاض والدعوة إلى حكومة عالمية.
والمفارقة هنا أن أمريكا هى الأمة الصناعية الحديثة الوحيدة فى العالم التى تنشغل بمدى مشروعية تدريس نظرية التطور، فى مقابل نظرية الحق الإلهى للإنسان، وبمدى مشروعية القول بالسمة العلمية لأى من النظريتين فى شأن البحث عن أصل الحياة. ومن أهم الولايات التى يدور فيها هذا النوع من الجدل تكساس وأوهايو وكاليفورنيا.
والسؤال بعد ذلك:
إلى أى مدى تمكنت حركة المدرسة المسيحية من التحكم فى التعليم فى أمريكا؟
ليس ثمة جواب حاسم. والسبب فى عدم الحسم مردود إلى أن هذه الحركة- وإن كانت متمردة على الثقافة العلمانية المتحكمة فى المدارس الحكومية- تجد نفسها مضطرة إلى التكيف جزئياً مع هذه الثقافة إلى الحد الذى يسمح فيه الأب لأحد أبنائه بالالتحاق بالمدرسة المسيحية، ولابنه الآخر بالالتحاق بالمدرسة الحكومية. والمغزى أن هوية النسق التعليمى لم تستقر بعد، وذلك بسبب أن حركة المدرسة المسيحية كانت فى صراع مع الثقافة الأمريكية السائدة.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع