تحتفل كنيسة الروم الأرثوذكس بذكرى عيد القديسة العظيمة في الشُهداء كاترينا حافظة سيناء، وعلى خلفية الاحتفالات قال الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا والغربية للروم الأرثوذكس، والمتحدث باسم الكنيسة في مصر، ووكيلها للشؤون العربية، في تصريح له إنه يُعيد المؤرخون تاريخ بناء دير "سانت كاترين" إلى مطلع القرن الرابع للميلاد.
تاريخ الدير
في أعقاب انهيار مملكة الأنباط بفعل صراعها مع الإمبراطورية الرومانية مطلع القرن الثاني للميلاد، عمّت الفوضى المنطقة الممتدة بين بلاد الشام وسيناء، ما حدا بالنسّاك المسيحيين إلى اللجوء لمناطق وعرة ونائية لاتخاذها صوامع للتعبّد.
ومع مرور عقود من الزمن أصبحت المنطقة الوعرة المحيطة بـ"جبل موسى" -أعلى قمم سيناء ومصر قاطبة- مقرًا رئيسًا للنساك؛ وما لبثت أخبار هؤلاء المؤمنين أن تناهت إلى مسامع الإمبراطورة "هيلانة" -والدة الإمبراطور الروماني الشرقي "قسطنطين"- التي أمرت، مع بدايات القرن الرابع للميلاد، بتشييد "كنيسة العليقة" بالقرب من مكان العليقة التي رآها النبي موسى تشتعل ولا تحترق.
بعد ذلك بـ 200 عام، بنى "جوستنيان" الإمبراطور الروماني الشرقي، "الكنيسة الكبرى" (أو كنيسة التجلي)، وشيّد سورًا عظيمًا ليكون حصنًا للدير ورهبانه وممتلكاته من هجمات البدو المجاورين.
تعددت تسميات الدير عبر القرون، فلدى بناء الدير كان من المفترض أن يُسمى باسم "النبي موسى"، ذلك لقربه من جبل موسى حيث تلقى النبي موسى الوصايا العشرة منذ حوالى 1400 عام قبل الميلاد. لكن الدير اتخذ اسم "التجلّي" نسبة إلى لعليقة حيث تجلى الله لموسى في شكل نار التي كانت تشتعل بها عليقة ولا تحترق، ذلك قبل أن يُطلق عليه في ما بعد "دير العذراء مريم".
أما سبب تسمية الدير باسم "القديسة كاترين" فيعود ذلك إلى رؤية لأحد رهبان الدير بأن الملائكة حملوا جسد القديسة، التي استشهدت في الإسكندرية، إلى أعلى جبل مجاور للدير والذي سًمي على اسمها. اليوم توجد بقايا رفاتها داخل صندوقين من الفضة يضم أحدهما جمجمتها والثاني من الرخام يدها اليسرى.
خلال القرن السادس عشر ضم الدير حوال 700 راهب يقيمون داخل الدير وفي محيطه داخل كهوف. حاليًا يضم الدير 25 راهبًا.
يحيط الدير سور العالي من حجارة الجرانيت تتراوح ارتفاعاته ما بين 12 و15 مترًا، وتتخطى سماكة جدرانه المترين. وتقبع داخل السور "الكنيسة الكبرى"، وهي تضم أقدم أيقونة للعذراء مريم، إضافة إلى هدايا قيّمة أرسلها ملوك وأمراء على مر القرون من بينها ثريات من الفضة الخالصة، وقطع فنية من حضارات متعددة؛ فسيفساء عربية وأيقونات روسية ويونانية وجورجية ولوحات جدارية زيتية.
وفي مواجهة "الكنيسة الكبرى" من الناحية الشرقية توجد "كنيسة العليقة"، ومن ورائها "بئر موسى" التي تمد الرهبان بالماء.
أما أهم محتويات الدير على الإطلاق فهي "مكتبة المخطوطات"، التي تعد واحدة من بين أكبر المجموعات الخطية في العالم، والتي تأتى في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد مكتبة "الفاتيكان" الشهيرة بنفائسها التي لا تقدَّر بثمن. وتضم مكتبة الدير "التوراة اليونانية" المعروفة باسم "كودكس سيناتيكوس" وهي نسخة غير تامة كتبها عام 331 "أسبيوس" أسقف قيصرية.
الدير مدرج ضمن مناطق التراث الثقافي العالمي، لما له من قيمة أثرية وتاريخية عظيمة، يرأس الدير حاليًا رئيس أساقفة سيناء وفاران المتروبوليت داميانوس.