باحث فى التاريخ القبطي: زعماء وشخصيات عامة كانت تخطب في احتفالات المصريين بعيد النيروز منذ عقود طويلة
تحتفل الكنيسة القبطية اليوم 11 سبتمبر من كل عام بعيد النيروز ، وعيد النيروز هو بداية التقويم القبطي أو ما يقابل رأس السنة، وقال ماجد كامل الباحث فى التاريخ القبطي، إن الأصول الأولي لهذا التقويم يرجع إلى العصر الفرعوني وبالتحديد إلي الإله (تحوت Thot ) وهو إله الحكمة، ورب القلم ، مخترع الكتابة ، ومقسم الزمن ، وكان رمزه الطائر إيبيس IBIS المعروف عند المصريين بإسم أبو منجل، ولذلك كانوا يحنطونه بعد موته تكريما للمعاني التي يمثلها عندهم كرمز للمعاني التي يمثلها عندهم ؛ أما عن الأصل اللغوي لكلمة نيروز ؛فهناك رأيان ؛الرأي الأول يرجعه إلي أصل فارسي ومعناه “اليوم الجديد ” باللغة الفارسية .
أما الرأي الآخر فيرجعه إلي أصل قبطي ؛فكلمة “نياروو” معناها أنهار باللغة القبطية، ولما كان هذا هو موسم الاحتفال باكتمال فيضان نهر النيل، نظم المصري القديم هذا الاحتفال كرمز للوفاء للنيل، وعندما دخل اليونان مصر أضافوا اليها حرف السين علامة إسم الفاعل في اللغة اليونانية فأصبحت “نياروو –س” وحرفت مع الزمن إلي النيروز ؛ وعودة إلي الأصل التاريخي لهذا العيد
حيث يذكر علماء المصريات أن المصري القديم هو الذي قام بوضع هذا التقويم ؛وكان ذلك حوالي عام 4241 ق.م عندما لاحظوا ظاهرة الشروق الاحتراقي لنجم الشعري اليمانية ؛والمعروف في اللغة اليونانية بأسم “سيروس SIRIUS” قبل شروق الشمس مرة كل عام ؛ وكان المصريون يسمونه “سبدت” وهو ألمع نجم في السماء ؛ ويبعد حوالي 8 ونصف سنة ضوئية عن الأرض ؛وقد قسموا السنة إلي ثلاثة فصول كبيرة هي :-
1- فصل الفيضان ( آخت)
2- فصل البذر والزرع (برت)
3- فصل الحصاد (شمو)
وقسموا السنة إلي 12 شهرا ؛كل شهر ثلاثون يوما ؛ وأضافوا المدة الباقية وهي خمسة أيام وربع ؛وجعلوها شهر بذاته ؛أسموه بالشهر الصغير أو (النسيء) وبذلك أصبحت السنة القبطية 365 يوما في السنوات البسيطة ؛366 يوما في السنوات الكبيسة . وعندما جاءت المسيحية إلي مصر حوالي عام 61م تقريبا ؛ ومع ظهور عصر الشهداء ؛أراد الأقباط أن يخلدوا ذكري دماء هؤلاء الشهداء
فاتخذوا من تاريخ إعتلاء دقلديانويوس عرش الإمبراطورية الرومانية وهو 284م ؛ بداية التقويم لعصر الشهداء ؛فإذا حذفنا 284 من 2024 تصبح 1740 للشهداء ؛ واستمرت الحكومة المصرية تتبع هذا التقويم كإحدي التقاويم الرسمية للدولة حتي ألغاه الخديوي إسماعيل عام 1875 م وكان يقابلها عام 1591 للشهداء ؛واستبدله بالتقويم الميلادي الذي مازال متبعا حتي الآن كالتقويم الرسمي للدولة . غير أن الفلاح المصري مازال يتبع التقويم القبطي حتي الان في الزراعة.
أما عن الشهور القبطية ومعانيها فهي :-
1- توت :- نسبة إلي تحوت إله العلم والحكمة، وهو مؤسس هذا التقويم
2- بابة : وهو علي الأرجح يرجع إلي هابي إله النيل
3- هاتور : هو الإلهة هاتحور إلهة الحب والجمال عند المصري القديم
4- كيهك : قيل أنه نسبة إلي اجتماع (الكا) مع (الكا) والكا معناه القرين في اللغة الهيروغليفية فيكون معني الأسم اجتماع القرين مع القرين
5- طوبة : نسبة إلي إله المطر، ومنها أخذ أسم “طيبة” وهي مدينة الأقصر حاليا .
6- أمشير : يقال أنه إسم إله الشياطين نظرا لكثرة الزوابع في هذا الشهر
7- برمهات : سمي كذلك نسبة إلي إله الحرارة
8- برمودة : نسبة إلي رموته الأفعي المقدسة .
9- بشنس : نسبة إلي الإله خونسو ابن الإلهة موت
10- بؤؤنة : ومعني أسمه الحجر ؛ وهو إله المعادن، وسمي هذا الشهر بإسم هذا الإله كناية عن أن المعادن تستوي في هذا الشهر بسبب شدة الحرارة
11- أبيب : نسبة إلي المعبود أبيس، وقيل أنه إله الفرح
12- مسرى : ومعناه مولود رع ؛حيث كانوا يحتفلون بولادة الشمس
ويتبقي بعد ذلك الشهر النسيء ومعناه الصغير ؛ وعدد أيامه 6 أيام
أضاف ماجد كامل، إن العلامة المقريزي كتب عن احتفالات هذا العيد في شيء من التفصيل في موسوعته فقال عنه ( هو أول السنة القبطية بمصر، وهو أول يوم من “توت ” وكانت فيه احتفالات من إشعال النيران ؛والتراش بالماء ؛وكان من مواسم لهو المصريين قديما وحديثا . وكانت تتعطل فيه الأسواق وتفرق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة وأولادهم ونسائهم وحوائج النيروز من فاكهة الموسم البطيخ والرمان والموز والبلح …. وكثيرا ما كان الخليفة يتدخل فيصدر أمره بمنع إيقاد النيران ليلة النيروز ومن صب الماء في نهاره عندما يزيد الأمر عن حده فيأخذ من يخالف ليحبسوا وآخرين فيطاف بهم علي الجمال لجرسهم “أي فضحهم ”
ومن أشهر المواقف المرتبطة بالنيروز في التاريخ الكنسي ما جاء في سيرة البابا يؤانس السادس عشر البطريرك (103) من سلسلة بطاركة الكنيسة القبطية والشهير بالطوخي (1676-1718 م) أن فيضان النيل جاء منخفضا ؛فتوجه الأب البطريرك إلي كنيسة القديسة العذراء مريم بالعدوية “كنيسة المعادي حاليا” وهي إحدى المحطات الهامة في رحلة العائلة المقدسة إلي أرض مصر ؛فمنها توجهت العائلة المقدسة إلي الصعيد ) ومعه مجموعة من الأباء الكهنة في يوم عيد النيروز ؛وصلي القداس هناك ؛ثم صلي علي ماجور به قليل من الماء وسكبه في نهر النيل ؛ وكرر هذا الأمر عدة أيام متواصلة ؛ فتحنن الله برحمته علي شعبه ؛وفاض النيل في اليوم الثاني عشر من شهر توت
وفي العصر الحديث وتحديدا في عام 1884 ؛تكونت في أسيوط لجنة لإحياء التاريخ القبطي مكونة من تادرس شنودة المنقبادي صاحب جريدة مصر ؛ الخواجة يوسف إسرائيل، سرجيوس قلتة، أبادير سمعان ؛ مشرقي حنا ؛ أبادير نخيلة ؛صليب ميخائيل ؛ساويرس حنا . وقررت اللجنة ترتيب احتفال كبير بعيد النيروز ؛وبالفعل تم هذا الاحتفال في سبتمبر 1885 م ؛وحضر الحفل مطران أسيوط في ذلك الوقت وقناصل الدول المختلفة وأعيان وموظفو أسيوط .
ومن أشهر الجمعيات التي تحتفل بعيد النيروز جمعية التوفيق القبطية والتي تأست عام 1891م ؛ ولقد سنت هذه الجمعية سنة جميلة لم تحيد عنها وهي أن يكون خطيب الحفل الرئيسي من الأخوة المسلمين ؛ففي احتفلات عيد النيروز 1920 كان خطيب الحفل الرئيسي هو الزعيم الوطني الخالد سعد زغلول ؛وخطب بعده الشيخ مصطفي القاياتي والدكتور محجوب ثابت والأستاذ رياض الجمل ؛وفي احتفالات عيد النيروز عام 1923 تحدث سعد زغلول بعد عودته من المنفي عن دور الأقباط في الثورة وكفاحهم ضد المستعمر ؛وعن أهمية الوحدة الوطننية بين المسلمين والأقباط ؛وكان من بين ما قاله ( أن النهضة الأخيرة أوجدت هذا الاتحاد المقدس بين الصليب والهلال …… ليس هناك إلا مصريين فقط …. ولولا وطنية الأقباط وإخلاصهم الشديد لقبلوا دعوة الأجنبي لحمايتهم وكانوا يفوزون بالجاه والمناصب بدل النفي والسجن والاعتقال ؛لكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين ويذوقون الموت والظلم علي أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعدائكم – هذه المزية يجب علينا أن نحفظها وأن نبقيها دائما في صدورونا ) .
وفي احتفالات عيد النيروز عام 1924 حضر الاحتفال النحاس باشا رئيس الوزراء ؛ وفي احتفالات عام 1952 بعد اندلاع ثورة يوليو المجيدة بشهرين حضر الاحتفال محمد نجيب، وعلي ماهر باشا رئيس الوزراء في ذلك الوقت وتسجل وثائق الجمعية أسماء نجيب الهلالي ، صبري أبو علم ؛ عبد السلام فهمي جمعة ؛ عبد المنعم الصاوي ؛ الدكتور رفعت المحجوب ؛ د .نعمات أحمد فؤاد ….. الخ من ضمن الشخصيات الخالدة التي كانت تخطب في احتفالات عيد النيروز .
ويبقى بعد ذلك كلمة أخيرة عن الاحتفالات الشعبية في عيد النيروز ؛ ففي هذا اليوم يقبل الاقباط علي أكل البلح الأحمر والجوافة والعنب الأحمر لما كانت لهذه الفواكه من رموز ومعاني تشرح معني النيروز ؛فالبلح لونه أحمر رمز لدم الشهيد ؛وقلبه ابيض رمز لطهارته، أما قلب البلحة فهو صلب رمز وإشارة لقوة وثبات إيمان الشهيد .
أما الجوافة فلونها أبيض رمز الطهارة وبذورها صلبة رمز الثبات علي الإيمان . وفي نفس هذا المعني يمكن أن نضيف العنب الأحمر ؛ فالأحمر رمز الدم ؛ والبذور الصلبة رمز ثبات الإيمان
voo35l