أطلق الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا والغربية للروم الأرثوذكس، ومتحدث الكنيسة الرسمي، ووكيلها للشؤون العربية، نشرة تعريفية عن «القداس الإلهي»، أجاب خلالها عن تساؤل هل الذبيحة الإلهية هي مجرد "ذكرى" (كما ورد في ترجمة العربية البروتستانتية لدار الكتاب المقدس) لما صنعه المسيح في العشاء الأسراري يوم الخميس العظيم؟
الإجابة على التساؤل
وقال إنه بالرجوع إلى النص اليوناني للإنجيل المقدس في وقت العشاء الأسراري يوم الخميس العظيم، مع تلاميذه الرسل؛ يذكر لوقا الإنجيلي في بشارته أن يسوع المسيح بعد أن شكر وكسر الخبز قال لهم: عبارة يونانية معناها الحرفي بالعربية هو: "اِصْنَعُوا هذَا لِتِذْكارِي"، كما أن بولس الرسول أيضًا يقول لأهل كورنثوس: "أَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا، إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا اصْنَعُوا هذَا لِتِذْكارِي. كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلًا هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِتِذْكارِي".
إن قول يسوع والذي ذكره عنه بولس الرسول: "اصْنَعُوا هذَا لِتِذْكارِي"، هو بمعنى "إصنعوا هذا إحياء لذكري (إستذكار)"، ويعني "كلما دعت الحاجة لتستذكروني أصنعوا هذا"؛ لأن "التَّذْكِرة" هي ما تُسْتَذْكَرُ به الحاجة (صحيح المختار) أو ما يُستحضر به الشيء، وقد بين بولس الرسول هذا، بقوله: "فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس. تُخَبِّرُون بموت الرب إلى أن يجيء".
اقرأ أيضًا
في ختام صوم العذراء.. الروم الأرثوذكس تطلق عظة مترجمة للقديس يوحنا كرونشتادت
وقول بولس: "تُخَبِّرُون" لا يعني الإخبار بالقول، بل يعني الاستذكار أو الاستحضار وإخبار واعتراف. أما "الذِكْرَى" هي ذِكر الشيء بعد نسيانه. فالبروستانت في عقيدهم يرون أن التناول من الخبز والنبيذ في العشاء الأسراري هو "ذكرى" لما فعله الرب يسوع المسيح في العشاء الأسراري (ذلك بترجمتهم العبارة اليونانية "τὴν ἐμὴν ἀνάμνησιν" التي معناها "لِتِذْكارِي"، بمعنى "لِذِكْرِي")، وليس استحضار جسده ودمه المؤلهين بحلول الروح القدس على الخبز والنبيذ.
على قول يسوع وعلى قول بولس الرسول الرب؛ إن كل قداس إلهي هو استذكار واستحضار وإخبار واعتراف بآلام الرب وموته وقيامته وصعوده إلى السماوات، ذلك كما يوضح ذلك نص القداس الإلهي بأن الذبيحة غير الدموية، التي أوصى الرب يسوع المسيح أن نصنع كما صنع هو، هي امتداد واستمرار للأعمال الخلاصية التي قام بها من أجلنا، إمتداد لصلبه وقبره وقيامته وصعوده واستباق لمجيئه الثاني.
ويتوضح هذا من نص خدمة القداس الإلهي للقديس باسيليوس الكبير وللقديس يوحنا الذهبي الفم. فبعد ذكر الأسقف، أو الكاهن، قول يسوع المسيح: «هذا اصنعوه لتذكاري، لأنكم كل مرة تأكلون هذا الخبز وتشربون هذه الكأس تُخبرون بموتي وتعترفون بقيامتي». يقول: «فإذ نحن متذكرون أيها السيد (الآب) آلامه الخلاصية، وصلبه المحي، ودفنه ذا الثلاثة أيام، وقيامته من بين الأموات، وجلوسه عن يمينك أيها الإله الآب، ومجيئه الثاني المجيد المرهوب».
ثم يستحضر رئيس الكهنة، أو الكاهن ذبيحة يسوع المسيح ويجعلها أمام الآب، بقوله: «(أيها الآب) إذا وضعنا رسمي جسد ودم مسيحك المقدسين». ويضرع إلى الآب كي يرسل الروح القدس على القرابين غير الدموية الموضوعة، الخبز والنبيذ، لتستحيل إلى جسد ودم المسيح الإلهيَيْن، ثم يقول: «نطلب إليك ونسأل منك يا قدوس القديسين أن يحل بمسرة صلاحك روحك القدوس علينا، وعلى هذه القرابين الموضوعة ويباركها ويقدسها ويوضح أما هذا الخبز فجسد الرب وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الكريم نفسه، وأما ما في هذه الكأس فدم ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الكريم نفسه، الذي أُهْرِق من أجل حياة العالم».
كما أن تناولهما من الجسد والدم الإلهيين في سر الشكر يحولانا إليهما سريًا ويسريا حياة يسوع المسيح الإلهية فينا، ولا يتحولان إلينا كالطعام البائد، ويُتحدانا به ويَتحده بنا، فيؤلِّهان الروح ويغذيان العقل. وذلك كما تُوضح صلاة قبل التناول "المطالبسي"، التي يتلوها الأسقف والكهنة والشمامسة مع الشعب قائلين: «إرتعد أيها الإنسان عند نظرك الدم المُؤلِّه لأنه جمر تحرق غير المستحقين، إن جسد الإله يُؤَلهني يُؤَله الروح ويغذي العقل على منوال غريب... لقد أشغفتني بشوقك أيها المسيح... وأهلني أن أمتلئ من النعيم الذي فيك... لا تصر لي هذه القدسات لمحاكمة من تلقاء عدم استحقاقي... وأما أنا فخير لي الالتصاق بالله وأن أضع على الرب رجائي».