فاطمة ناعوت تكتب .. قال الرئيس: مسيحيو مصر ليسوا أقليّة!
21.02.2019 08:56
Articles مقالات
المصري اليوم
فاطمة ناعوت تكتب .. قال الرئيس: مسيحيو مصر ليسوا أقليّة!
حجم الخط
المصري اليوم

بقلم فاطمة ناعوت

أحسنَ اللهُ عزاءَ مصرَ فى شهدائنا من الجنود والمدنيين فى سيناء والقاهرة، وأحسنَ عزاءَ أمهاتهم وآبائهم، وعوّضنا عنهم خيرًا. وبعدُ،

 

وأخيرًا قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر ميونيخ الأخير. نرفض أن يُقال إن المسيحيين فى مصر أقليةٌ.

 

وهنا تعود بى الذاكرةُ إلى بضعة أعوام خَلَتْ. كنتُ قد دُعيتُ للمشاركة فى مؤتمر: مستقبل الأقليات فى مصر، بواشنطن، يونيو 2016. وكانت ورقتى البحثية بعنوان: هل المسيحيون فى مصر أقلية؟.

 

بدأتُ كلامى بقولى: الأقليةُ الهندية فى اليابان- الأقليةُ الكردية فى الهند- الأقليةُ المصرية فى أمريكا. جميعها عباراتٌ سليمة يمكن للعقل قبولها، والتعامل معها ومناقشة قضاياها. ولكن عبارات مثل: الأقليةُ الهندية فى الهند- الأقليةُ الكردية فى كردستان- الأقليةُ الإيطالية فى إيطاليا؛ جميعها عباراتٌ تمرُّ على العقل، فيكتبُ العقلُ على شاشته باللون الأحمر: ERROR. لأنها عباراتٌ غيرُ منطقية تفصلُ الجزءَ عن الكلّ. شأنها شأنُ عبارة: الأقليةُ القبطية/ المسيحية فى مصر.

 

عبارةٌ خاطئةٌ لا يدركها العقل، ولا يمكنه التعامل معها. وحين نترجم ما سبق للمعجم الفيزيائى؛ فبوسعنا أن نقول: قليلٌ من السكر فى الماء، ولكن هل بوسعنا أن نقول: قليلٌ من الماء فى الماء؟!

 

فمفردة: الأقلية مصطلحٌ سياسى، يُطلق على جالية وافدة (من غير المواطنين) فى دولة ما. لكن (المواطنَ)، المختلف عَقَديًّا عن بقية المواطنين لا يجوز أن نُطلق عليه مصطلح (أقلية)، ولو كان فردًا واحدًا. فلو كان هناك مواطنٌ ليبرالى فى مجتمع رجعى، فلا يجوز أن نُطلق عليه (أقلية)؛ لأنه فى وطنه. ولو كان هناك مواطن سلفى متشدّد فى مجتمع علمانى، فلا نُطلق عليه (أقلية)؛ ما دام فى وطنه. ولو كان هناك مواطنٌ يؤمن بالاشتراكية فى مجتمع رأس مالى، لا نسميه أقلية؛ فى وطنه. ولو أن مواطنًا إقطاعيًّا وُجِد فى مجتمع اشتراكى، فلا نطلق عليه (أقلية)، ما دام فى وطنه. ولو أن ضريرًا ولِد فى مجتمع من المبصرين، أو مبصرًا وجِد فى وطن من العميان، فلا يصحُّ أن نطلق على أحدهما (أقلية) لأن كليهما مواطنٌ فى وطنه. وينطبقُ كلُّ ما سبق من تباينات فكرية وسياسية واقتصادية وجسمانية على اختلافات المعتنق العَقَدى، كذلك. فلو كان ثمة مسلمٌ شيعىّ مصرى يعيش فى مصر السُّنية، فلا يجوز أن نسميه (أقلية) فى وطنه مصر. والمسيحى الكاثوليكى أو الإنجيلى المصرى؛ لا يُسمى (أقليةً) بين أكثرية مسيحية أرثوذكسية، لأن جميعهم مواطنون مصريون. والبهائىّ المصرىّ لا يصحُّ أن نطلق عليه (أقلية) فى وطنه مصر. (الأقلية) مصطلحٌ لا علاقة له بالعقيدة أو الطائفة، مهما كان التعداد، بموجب صكّ المواطنة، وفق الدستور المصرى 2014 الذى يُقرُّ بحقوق المواطنة الكاملة لجميع المواطنين. ذاك هو المنطق الوحيد الذى يجبُ أن ينظرَ من خلاله المواطنُ المسيحى لنفسه، والمواطنُ المسلمُ لشقيقه المسيحى.

 

كان ما سبق ملخصًا لما قلته فى مؤتمر دعم الأقباط، الذى عُقد يومى 9-10 يونيو عام 2016 فى واشنطن.

 

والعجيبُ أن أحد الحضور من الجالية المصرية من أقباط المهجر الأمريكى انزعج من كلامى، وهتف فى وجهى غاضبًا: بل نحنُ- الأقباط - أقلية فى مصر! فتحاورتُ معه قائلة: هل تريدُ أن تنالَ حقك فى وطنك منقوصًا كأقلية وافدة، وترفضُ أن تنال حقك كاملًا كمواطن؟ وضربتُ له مثلا بسلوك غير جميل يفعله بعضُ المصريين فى أمريكا؛ حين يُعلّقون فى سياراتهم بطاقة (معوّق) الزرقاء؛ حتى يحقّ لهم صفّ السيارة فى الأماكن المخصصة للمعوقين! وقلتُ له: إن كلامك يشبه ذلك المنطق الشائه! لماذا تريد أن تأخذ حقَّ شخصٍ مأزوم، بينما بوسعك أن تتمتع بحقوقك كشخص غير مأزوم؟!

 

لماذا ترى نفسك (أقليةً وافدةً) فى حين أنك (مواطنٌ أصيل) لك كامل حقوق المواطنة؟! لكنه لم يقتنع بكلامى! وأغلبُ الظنّ أنه لم يفهم منطقى أبدًا.

 

فتعرضتُ لحملة تشويه مُهينة وشرسة من ذلك الشخص ورفاقه، (مستمرة حتى اليوم)، ودشنوا صفحات لسبّى وشتمى وتخوينى واتهامى بكراهية المسيحيين، لأننى لا أعتبرهم أقليةً ناقصة الحقوق!

 

والشاهدُ أن ما قاله الرئيسُ عبدالفتاح السيسى، بالأمس، فى مؤتمر ميونيخ، وما قلتُه أنا قبل سنوات فى واشنطن، هو عين ما قاله قداسة البابا شنودة- رحمه الله- قبل رحيله عن عالمنا.

 

مسيحيو مصرَ مواطنون أصلاءُ، كاملو الأهلية، يُعمّرون أرضَ مصرَ منذ أكثر من ألفى عام، (21 قرنًا)، قبل دخول الإسلام مع العرب فى القرن السابع الميلادى، (14 قرنًا) من عمر مصر المديد.

 

وللحديث بقية. الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.