تسلم قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الكنيسة في أوقات عصيبة حيث كانت البلاد في حالة عدم استقرار، بفضل الاضطرابات التي شهدتها في أعقاب ثورة يناير.
الأحداث التي شهدتها البلاد فرضت على الكنيسة خوض غمار السياسة، باعتبارها مؤسسة وطنية في المقام الأول، وجعلت البابا يمارس السياسة في المواقف التي تتطلب ذلك، مرة مدافعا عن صورة مصر في الخارج، وأخرى رافضا لفكرة فرض حماية على أقباط الداخل.
بعد أن هدأت الأوضاع السياسية، وشهدت البلاد استقرارا عقب ثورة 30 يونيو، طالب الكثيرين الكنيسة بالابتعاد عن السياسة، لتمارس دورها كمؤسسة وطنية، وهو ما يصعب تنفيذه ربما في الوقت الحاضر.
البابا تواضروس تعجب مؤخرًا من سؤال يشير إلى أن الكنيسة تتدخل في السياسة، بل واستنكر تماما أنه يزور الولايات المتحدة لتمهيد زيارة الرئيس : "الرئيس السيسي يزور الولايات المتحدة الأمريكية لخامس مرة، وأنا أول مرة أزور نيويورك".
وقال: "زيارتى لأتفقد أبناء الكنيسة المتواجدين هنا، وهذا هو عملى ودوري.. أنا لا اتعلمت ولا قريت في السياسة، ولا أعرف إلا شئ واحد وهو أنى خادم في الكنيسة".
واستطرد: "لكن لا ننسى أنا مواطن مصرى أنتمى لبلدي والمواطنة غير السياسة، فأنا مسئول عن بلدى وسلامة الناس اللى فيها، وسلامة كنيستي، لذلك يجب أن أمارس دوري كمواطن".
وتابع: "في كل مكان يوجه الحضور نفس السؤال، وأقول لصاحب السؤال هناك وصية في الإنجيل لإكرام الملك فهل تقرأ الإنجيل؟، مختتمًا: لما رئيس بلدك التي توجد بها كنيستك الأم وأنتم تستقبلوه، فإيه السياسة في هذا؟.
نفى البطريرك شبهة ممارسة السياسة في حديثه عن التمهيد لزيارة الرئيس للولايات المتحدة، وأن ما يفعله هو دور وطني بحت لا علاقة له بالسياسة، كما أنه واجب على كل وطني.
لا يمكن فصل الكنيسة عن السياسة، في ظل الأحداث التي شهدتها البلاد، خاصة الأحداث الطائفية التي تتطلب إدارة حكيمة تستطيع إحداث توازن، وعدم التصعيد، في ظل رغبة البعض باتخاذها ذريعة للهجوم وانتقاد النظام.
يعرف الجميع أن تواضروس جلس على كرسى «مارمرقس» في ظروف استثنائية، التركة لم تكن ثقيلة بقدر ما كانت الأجواء آنذاك ملبدة بالغيوم، الإخوان يعتلون حكم مصر، وثمة مشاحنات حادة بين المصريين وأبناء المرشد، وهو ما أثقل الحمل على الرجل، ودفعه لخوض السياسة مبكرا وهو الذي كان بعيدا عنها تمامًا.
الأمور منذ وصول البابا لكرسى «مارمرقس» لم تكن هادئة، فسرعان ما ضربت الاضطرابات الشارع، فبعد ثلاثة أشهر فقط من توليه المنصب اندلعت مواجهات دامية بين الشرطة ومعارضين لحكم المعزول محمد مرسي، وخرجت دعوات مطالبة بالعصيان المدني، ووسط هذا الاضطراب خرج البابا داعيا إلى التحلى بالحكمة: «الأوضاع السياسية المتأزمة تقتضي التعامل معها بحكمة من كل الأطراف، والحكمة يجب أن تكون في كل ما يصدر من تصريحات من أولى الأمر».
السياسة وصلت في عهد البابا وصلت إلى أبواب الكاتدرائية، حيث إن الأجواء في 2013 لم تكن صافية، الغيوم تلقى بظلالها، فحكم الإخوان في الرمق الأخير، لذا كان الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية سابقة لم تحدث من قبل، اختبارًا حقيقيًّا للبابا الجديد، وهو ما نجح فيه، واحتوى الأزمة بروح الأب، في الوقت الذي وصف فيه الاعتداء بأنه تخطى الخطوط الحمراء، وحمل الرئيس مرسي وجماعته المسئولية.
وخلال ثورة 30 يونيو 2013 شارك البابا في الاجتماعات التي سبقت عزل مرسي، كما كان حاضرا خلال إلقاء المشير عبد الفتاح السيسي، آنذاك، بيان عزل مرسي، ونجح بحكمته في أن يقف في الصف الوطني، معلنا بذلك أن الكنيسة دائما ما تكون رقما إيجابيا في المعادلة الوطنية.
وعقب فض اعتصامى رابعة ونهضة مصر يوم 14 أغسطس 2013، شن أعضاء الجماعة الإرهابية هجمات أحرقوا ودمروا خلالها عشرات الكنائس في مختلف المحافظات، وكالعادة احتوى البابا غضب الأقباط، رافضا في الوقت نفسه التدخل الأجنبي، وقال عبارته الشهيرة: «وطن بلا كنائس خيرٌ من كنائس بلا وطن».
وخلال زيارته للقدس، اعتذر عن عدم قبول دعوة الرئيس الفلسطينى محمود عباس لزيارة رام الله، مؤكدًا أنه لن يدخل الأراضى الفلسطينية أو القدس إلا بصحبة شيخ الأزهر.
شهد العام الخامس للبابا تواضروس في قيادة الكنيسة، أحداثًا دامية، حيث استهدف الإرهاب الكنائس، ففى ديسمبر 2016 تعرضت الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية لتفجير إرهابى أدى إلى استشهاد 29، وإصابة العشرات، وكان البابا في ذلك الوقت في زيارة لليونان، قطعها وعاد إلى أرض الوطن، ووصف الحادث بالمصاب الأليم: «إنه لا يخص الكنيسة فقط، وإنما كل المصريين.. وأقدم الشكر لكل رجال القوات المسلحة والشرطة في تأبين ضحايا العمل الإرهابي، وهذا أفضل تكريم للشهداء وأسرهم.. والمحن سوف تزيد المصريين صلابة ومسئولية تجاه مواجهة العنف الإرهابي».
تبع حادث البطرسية، تفجيران متتابعان في كنيسة مارجرجس بطنطا، والكنيسة المرقسية بالإسكندرية يوم أحد السعف، أول أيام أسبوع الآلام، حيث خلف التفجيران 46 شهيدا، ونحو 80 مصابا، وكان البابا موجودا في الكنيسة المرقسية وغادرها قبل دقائق من التفجير.